كأس العرب من بيروت إلى الدوحة… منصة القمم العالمية
النسخة الـ11، التي انطلقت اليوم في "دوحة العرب"، ليست مجرد نسخة أخرى، بل تمثل محطة استراتيجية للمنتخبات العربية، قبل كبريات الأحداث الكروية المقبلة، ولا سيما كأس أفريقيا ثم كأس العالم التي ستشهد رقماً قياسياً عربياً من المنتخبات المتأهلة، والتي ستجد في البطولة العربية فرصة ذهبية لاختبار جاهزيتها الفنية، وتكوين التوازن المثالي بين عناصر الخبرة والشباب، في ظل مشاركة أغلب الفرق بعناصر محلية أو صفوف ثانية.
وعلى الرغم من اعتبار البطولة رسمية دولياً من قبل الـ "فيفا"، فإن توقيتها المتزامن مع الموسم الكروي يصعب مشاركة اللاعبين المحترفين، إذ تحتفظ أنديتهم بحق الموافقة أو الرفض. هنا تتجلى أهمية البطولة كمنصة حقيقية لتجربة المواهب الجديدة، وصقل خبرات اللاعبين الصغار، قبل الصدام مع عمالقة القارة والعالم.
لا تتوقف الأجواء الحماسية عند حدود الملاعب. البطولة في قطر ستشهد أعلى قيمة مالية في تاريخها، وتبلغ 36,5 مليون دولار، ما يجعل كأس العرب من بين الأغنى عالمياً مقارنة ببعض بطولات القارات الكبرى. هذه الجوائز ليست مجرد أرقام، بل حافز قوي للمنتخبات والاتحادات العربية للاستثمار في الإعداد والتطوير، ولللاعبين لتقديم أفضل مستوياتهم.
ولا تقتصر البطولة على المنافسة فحسب، فهي منصة لتجربة أنظمة وقوانين جديدة في كرة القدم، مثل الاستبعاد الموقت للّاعب المصاب لمدة دقيقتين خلال تدخل الجهاز الطبي، أو تعديل آلية كسر التعادل في مجموعات البطولة، مع اعتماد التصنيف العالمي الأخير بدل القرعة التقليدية. هذه التجارب تمنح البطولة طابعاً ابتكارياً يسبق اعتماد هذه القوانين في البطولات الكبرى.

وأكد رئيس الـ "فيفا" جياني إنفانتينو أن بطولة كأس العرب ستكون قوية جداً بين المنتخبات المشاركة، وأضاف "أعتقد أنها ستتوسع أكثر في المستقبل، وسنعمل على تثبيتها في روزنامة الفيفا، لضمان مشاركة أفضل اللاعبين العرب مع منتخباتهم. تأهلت سبعة منتخبات عربية بالفعل لمونديال العام المقبل، وما زالت هناك فرصة للعراق للتأهل، وهذا يعني الكثير".
على أرض الواقع، تشهد الملاعب المونديالية في الدوحة مواجهات مشتعلة منذ البداية، إذ تتوزع المنتخبات على أربع مجموعات متوازنة، تضم أبرز القوى العربية، بدءًا من قطر المضيفة ومصر والسعودية والمغرب وتونس، وصولاً إلى الجزائر والأردن، لتتلاقى الخبرة والروح الجماعية والحماس الشبابي في صراع على كل كرة، كل هدف، وكل فرصة. وبينما تظهر بعض الفرق المرشحة بقوة مثل المغرب وقطر والسعودية، فإن القدرة على المفاجأة قائمة مع كل مباراة، ما يجعل البطولة مفتوحة على كل الاحتمالات ويعزز من طابعها الدرامي والمشوق.
بعد أكثر من ستة عقود، تنتقل كأس العرب من بيروت إلى الدوحة، حاملة إرثاً تاريخياً وروحاً جديدة، تلتقي فيها النوستالجيا مع الحداثة، التقاليد مع التجربة، والشغف الجماهيري مع الاحتراف التنظيمي. البطولة اليوم ليست مجرد حدث كروي، بل منصة القمم العربية ومختبر التحديات الكبرى، حيث تختبر المنتخبات حدودها، ويكتب اللاعبون الجدد فصولاً أولى في تاريخهم الكروي.
نبض