أنخيل دي ماريا... عندما تنتصر القيم على كنوز الكرة
لم يخفِ النجم الأرجنتيني طموحاته المستقبلية، بل أعلن بوضوح أنه يرغب في التحول إلى الساحة التدريبية، برغم أن بريقه كلاعب فذّ لم يخفت بعد.
وفي زمن أصبحت كرة القدم الحديثة أسيرة العقود الباهظة والصفقات الخيالية، وحيث يلهث العديد من اللاعبين وراء المال والأرقام قبل أيّ شيء آخر، برز دي ماريا كحالة استثنائية، ونموذجاً خاصاً تماماً.
اختار "الجناح اللامع" أن يكسر القاعدة على نحو دائم، إذ لم يكن يوماً جزءاً من هذا السباق المحموم. أراد أن يُذكّر الجميع بأن هناك قيماً تتجاوز أهمية المال والثروات في الرياضة عموماً، وكرة القدم على وجه الخصوص، فالشغف والانتماء بالنسبة إليه كانا أسمى من أيّ مكاسب مادية، وبقي على هذا المبدأ، من دون أن ينحرف تحت إغراءات الزمن.
يجنح اللاعبون الجيّدون والنجوم المميزون باتجاه الدوريات الأميركية حيث المبالغ طائلة، مع اقترابهم من سنّ الاعتزال، أو تجذبهم الملايين في الأندية السعودية. لكن المهاجم الأرجنتيني اختار طريقاً مغايرة تماماً، وقرر العودة إلى حيث بدأ، إلى فريقه الأول روساريو سنترال في الأرجنتين. وهذه الخطوة أظهرت وفاءً نادراً في عالم الرياضة الحديثة، حيث عاد إلى جذوره والمكان الذي لطالما تميّز بقيمة خاصة في قلبه.
عاد دي ماريا إلى ملاعب البساطة والطين والأمطار، متخلياً عن رفاهية وتوهج ملاعب أوروبا، ليعيد التواصل مع بدايته المتواضعة، واختار أن يضع حب اللعبة والانتماء فوق إغراءات الأضواء العالمية.

حين انضم إلى الفريق كانت الأوضاع صعبة، ووقف روزاريو سنترال في المركز العشرين يعاني أزمة حقيقية. لكن الأمور تغيّرت بشكل كبير مع أول لمسة لدي ماريا، وتمكّن من قيادة الفريق نحو القمّة بروح ملهمة.
وبعد سنوات طويلة، أعاد للفريق مكانته التاريخية، وحقق لقب الدوري الأرجنتيني لأول مرة منذ موسم 1986-1987، وهو لقب طال انتظاره لعشاق هذا النادي وهذه المدينة التي اعتادت تقديم أساطير اللعبة، وفي مقدّمهم ليونيل ميسي. وهذا الإنجاز لم يكن مجرّد فوز رياضي، بل كان تجسيداً لوعد قديم قطعه على نفسه لناديه الحبيب.
ما أثار الإعجاب لم يكن فقط رفع دي ماريا الكأس، بل تميزه بدور محوري خلال البطولة؛ فعلى مدار 15 مباراة في مشوار الفريق، سجّل سبعة أهداف، وصنع ثلاثة أهداف أخرى، ليصبح العنصر الأكثر تأثيراً في تحقيق هذا الحلم الكبير وإعادة المجد.
ببلوغه السابعة والثلاثين من عمره، لا يزال دي ماريا رمزاً للحظات الحاسمة، ورجل المناسبات الكبرى، محافظاً على حضوره اللامع وتأثيره في أهم المواعيد. وحتى الآن، وصلت حصيلته إلى 37 لقباً خلال مسيرته الاستثنائية.
في نهاية المطاف، لا تُقاس العظمة بعدد الأهداف أو حجم الأموال والعقود التي يتهافت عليها اللاعبون، إنما تُقاس بصدق المبادئ وثبات القيم، وهذا ما جسده دي ماريا؛ لاعب اختار حب اللعبة والانتماء على بريق المال، وعاد إلى جذوره ليثبت أن قيمته الحقيقية تكمن في شغفه وأصالته، وليس فقط في ما يمكن أن تقدمه السوق.
نبض