المغرب بين التاريخ والطفرة... منتخب الركراكي لا يعرف المستحيل
شهر بالتمام والكمال يفصل عن تحريك ركلة البداية لكأس أمم أفريقيا لكرة القدم في المغرب، حيث يقف منتخب "أسود الأطلس" عند مفترق تاريخي. نصف قرن مضى على التتويج القاري الوحيد في إثيوبيا 1976، والجماهير تتوق لإنهاء الانتظار الطويل والاحتفال بلقب يعكس الطفرة غير المسبوقة التي شهدتها الكرة المغربية في السنوات الأخيرة.
لم يكن وليد الركراكي مجرّد مدرّب، بل مهندس مشروع شامل بدأ منذ مونديال قطر 2022 وامتدّ عبر أكثر من ثلاث سنوات من التحضيرات الدقيقة، المباريات الرسمية والودّية، استقطاب اللاعبين، وبناء هوية تكتيكية متطورة. بعد تجربة قطر، أدرك الركراكي أن الفوز لا يتحقق بالاعتماد على نجوم جيل واحد، بل عبر منظومة متكاملة تجمع بين الخبرة والشباب، وتضع كل لاعب في موقعه الأمثل.
الطفرة البشرية
تمثّل التحدّي الأكبر في إقناع اللاعبين مزدوجي الجنسية بارتداء القميص الأحمر والأخضر. أسماء مثل بلال الخنوس، إلياس بنصغير، أمين عدلي، أنس الزروري، أنس صلاح الدين، نائل العيناوي، لم تختر المغرب صدفة، بل نتيجة عمل طويل من الركراكي وفريقه، يقوم على الإقناع المباشر وضمان الانسجام بين اللاعبين والأهم تأمين عوامل النجاح. ويقول الركراكي "ثمة منافسة شديدة بين جميع اللاعبين المتاحين، وكلما زادت المنافسة، أصبح لديّ حرية أكبر لاختيار أفضل التشكيلة".

وتمكن المنتخب من ترجمة فلسفة الركراكي على أرض الواقع، إذ سجل أهدافاً مبكرة، حافظ على شباكه نظيفة، وظهر انسجام واضح بين الخطوط الثلاثة، وهو ما يجعل التوازن الدفاعي والهجومي في أعلى مستوياته.
وتعززت النهضة المغربية بالجوائز الفردية، حيث تُوّج أشرف حكيمي بجائزة أفضل لاعب أفريقي 2025 متفوّقاً على المصري محمد صلاح، ليصبح أول مدافع يفوز باللقب منذ 52 عاماً، فيما حصل ياسين بونو على جائزة أفضل حارس في القارة بعد تألقه في مونديال الأندية ومساهمته في تأهّل المغرب لكأس العالم 2026. هذه الجوائز لا تعكس التفرد، بل ترجمة للمشروع الجماعي للركراكي الذي يبني فريقاً يوازن بين الأداء الفردي والجماعي، ولا يعتمد على موهبة لاعب واحد فقط.
أشار الركراكي إلى أن كل لاعب يعرف دوره داخل الملعب، وأن الانسجام بين الخطوط هو سر نجاحه، وأضاف "البطولة القارية لن تكون سهلة… مباريات صعبة تنتظرنا، الهدف الحقيقي هو اللقب، وليس الأداء فقط".
هذا يظهر أنه لا يعتمد على أسماء بعينها بل على منظومة متكاملة. الحضور القوي للاعبين الشباب، مثل أنس صلاح الدين ونائل العيناوي، يؤكد قدرة الفريق على دمج المواهب الجديدة تدريجاً دون فقدان الانضباط التكتيكي.
رغم النتائج الرائعة ضد منتخبات أفريقية من الصف الثاني، لا يزال التحدي الأكبر في مواجهة نيجيريا، الجزائر، مصر، السنغال أو جنوب أفريقيا، المنتخبات التي تملك خبرة قوية ونجوماً بارزين. الركراكي يعلم أن كأس أفريقيا مختلفة عن المباريات الودية أو التصفيات، لكنه يثق بأن التحضير النفسي والفني للفريق أصبح في أعلى مستوياته.
الجماهير: دعم وضغط
الضغط على المنتخب مضاعف لكونه يستضيف البطولة، لكن الركراكي يحوّله إلى طاقة إيجابية، بقوله "الجمهور المغربي سيكون سنداً قويّاً لأسود الأطلس … نحن لا نخشى أحداً".
كل المعطيات تشير إلى أن المغرب ليس أمامه إلا التتويج بكأس أفريقيا 2025. الفريق يمتلك خليطاً مثالياً من خبرة اللاعبين الكبار، الطموح الفردي، والطاقم الفني الذي يعرف كيف يوازن بين الضغوط والنتائج. الركراكي لم يترك شيئاً للصدفة، والجمهور على استعداد لدعم الفريق بقوة على أرضه وبين جماهيره. الرقم القياسي، الانتصارات المتتالية، الجوائز الفردية، والتطور التكتيكي، كلها تؤكد أن منتخب "أسود الأطلس" أصبح جاهزاً لصنع التاريخ بعد انتظار نصف قرن.
نبض