سندرلاند "الحصان الأسود" الذي يقتحم سباق الكبار
لم يكن أشد المتفائلين في شمال إنكلترا يتخيّل أنّ عودة سندرلاند إلى الدوري الممتاز ستتحوّل من مجرّد "مهمّة للبقاء" إلى قصة لافتة تهزّ أركان الـ"بريميرليغ".
الفريق الذي بدأ موسمه بخطوات متزنة تحت قيادة الفرنسي ريجيس لو بري، تحوّل تدريجاً إلى ظاهرة فنية تستحق التوقف عندها، بعدما تجاوز توقعات الجميع واقتحم سباق الكبار بثقة وثبات.
منذ صافرة الانطلاق، لم يظهر سندرلاند كفريق صاعد يخشى الأضواء، بل بدا كأنه جاء ليُذكّر بتاريخ عريق غاب طويلاً. فوزٌ كبير بثلاثية على وست هام يونايتد في الجولة الافتتاحية كان بمثابة إعلان نوايا واضحة، تلاه أداء متماسك أمام كبار الدوري، جعل المراقبين يضعون الفريق ضمن أكثر المفاجآت إيجابية في الموسم الحالي.
السر في الصعود السريع لم يكن وليد الصدفة. الإدارة تحرّكت بذكاء في الميركاتو، فدعّمت الصفوف بلاعبين ذوي خبرة مثل غرانيت تشاكا، مقابل مواهب شابة متعطشة للفرصة. هذا المزيج خلق توازناً فنياً نادراً بين الحماسة والانضباط، وأنتج فريقاً يعرف كيف يدافع وكيف يهاجم من دون تهوّر، ويؤمن بأنّ الجهد الجماعي هو البطل الحقيقي.
تكتيكياً، قدّم لو بري نسخة من سندرلاند تُشبه المدرسة الفرنسية في المرونة: ضغط متدرج، انتقال سريع، وقدرة على مفاجأة الخصم من الأطراف والعمق معاً. الفريق لا يملك أسماءً لامعة مثل مانشستر سيتي أو أرسنال، لكنه يملك روحاً تنافسية جعلت الكبار ينظرون إليه باحترام.
اليوم، بعد 11 مرحلة، يقف سندرلاند في المركز الرابع برصيد 19 نقطة، مع أداء هجومي متزن ودفاع صلب، متفوّقاً على كبار الأندية. مشهدٌ لم يكن ضمن حسابات أحد في بداية الموسم، لكنه أصبح واقعاً يفرض نفسه على كل من يراقب الدوري.

مباريات مفصلية تنتظر سندرلاند
ورغم الإعجاب الكبير، يُدرك الجميع أنّ الطريق ما زال طويلاً. ضغط المباريات، قلة الخبرة، والعمق المحدود في التشكيلة قد تكون اختبارات صعبة في النصف الثاني من الموسم. الأسابيع المقبلة ستكشف الكثير عن مدى صلابة سندرلاند وقدرته على مواصلة المغامرة حتى النهاية. فالفريق سيخوض سلسلة من المواجهات الصعبة أمام خصوم من الوزن الثقيل، تبدأ بملاقاة فولهام خارج الديار، ثم بورنموث على ملعب "ستاديوم أوف لايت"، قبل أن يواجه ليفربول ومانشستر سيتي في اختبارين قد يحددان ملامح طموحه الفعلي.
الفوز أو حتى الخروج بنتائج إيجابية أمام هذه الفرق سيؤكد أنّ سندرلاند تجاوز مرحلة "المفاجأة" إلى مرحلة "الاعتراف"، أي إنه بات رقماً حقيقياً في المنافسة لا مجرّد ظاهرة موقتة. وإن حافظ الفريق على إيقاعه الحالي، فليس مستبعداً أن نراه ينافس على بطاقة أوروبية. في المقابل، أي تعثر متتالٍ قد يُعيد الفريق إلى واقعه الطبيعي كوافد جديد يسعى إلى تثبيت أقدامه بين الكبار.
نبض