تتصدر قطر مجدداً المشهد الكروي العالمي، فالإبهار الذي قدمته الإمارة الخليجية قبل ثلاث سنوات في نهائيات كأس العالم، يتجدد بمسابقة مشابهة لمنتخبات تحت 17 سنة، لتؤكد قطر أن ما تحقق في خريف 2022 لم يكن نهاية قصة الإبهار، بل بدايتها.

فالدولة التي قدّمت للعالم نموذجاً فريداً في التنظيم والتخطيط والبنية التحتية، تمضي اليوم بثقة لتستضيف نسخة تاريخية من مونديال اليافعين بمشاركة 48 منتخباً من القارات الست، في تجربة تُكرّس مكانتها عاصمة للرياضة العالمية. كل شيء في الدوحة يوحي بأن الحدث سيكون مميزاً.

الملاعب الحديثة في مجمع أسباير زون، مركز التميز الرياضي في المنطقة، تتهيأ لاحتضان 104 مباريات ستُقام في أجواء احتفالية نابضة بالحياة. اللجنة المنظمة أعلنت أن البطولة ستكون "استثنائية على جميع الصعد"، مشيرة إلى أن أكثر من 500 مؤسسة إعلامية من 65 دولة أكدت مشاركتها في التغطية، في مؤشر إلى حجم الاهتمام العالمي. كما أكدت اللجنة أن البطولة "ستُقام وفق الممارسات البيئية المعتمدة في كأس العالم قطر 2022"، لتظل الاستدامة عنواناً دائماً في كل حدث تستضيفه البلاد.

العرب تحت المجهر
ومع العدّ التنازلي لانطلاق البطولة، تتجه الأنظار إلى المنتخبات العربية المشاركة، التي تشكّل حضوراً قوياً وغير مسبوق في نسخة واحدة. فإلى جانب المنتخب القطري، يشارك كلّ من السعودية، والإمارات، وتونس، ومصر، والمغرب، في مشهد يعكس تطور الكرة العربية على مستوى الفئات العمرية، ويمنح البطولة بعداً عربياً لافتاً.

وصرح مدرب تونس محمد أمين النفاتي بأن "تحضيراتنا كانت جيدة، وهدفنا أن نسعد الجماهير ونتخطى الدور الأول"، فيما شدد مدرب المغرب نبيل باها على أن فريقه "يحمل طموحاً كبيراً، ولا سيما بعد إنجاز مونديال الشباب الأخير". أما مدرب الإمارات ماجد الزعابي، فأكد أن "الجيل الحالي من اللاعبين يلعب معاً منذ عامين تقريباً، وهذا يمنحنا انسجاماً وثقةً كبيرة". هذه التصريحات تعبّر عن روحٍ جديدة في الكرة العربية، قوامها الطموح والعمل الهادئ.

وفي المقابل، لا تخلو الصورة من تحديات، إذ يواجه منتخب مصر أزمات فنية وتنظيمية قبل انطلاق المونديال، أبرزها غياب اللاعبين المحترفين عن القائمة النهائية، فيما يسعى المنتخب السعودي وصيف كأس آسيا الأخيرة إلى تأكيد تفوقه القاري على الساحة العالمية، مدفوعاً بحماسة جيل واعد يبحث عن إنجاز جديد.

القوى الكلاسيكية حاضرة
لكن مونديال الناشئين لا يُختزل في المشاركات العربية وحدها، فالمشهد العالمي مكتمل بأسماء ثقيلة، في مقدمها البرازيل، حاملة اللقب خمس مرات، والتي تدخل البطولة بطموح الحفاظ على الزعامة، مدفوعة بجيل جديد يصفه المتابعون بأنه "النسخة المصغّرة من السامبا". وتعود الأرجنتين إلى الأراضي القطرية حاملة ذكريات المجد في مونديال 2022، وعيونها على تكرار الإنجاز عبر مواهب تتلمذت على فلسفة ليونيل ميسي.

ومن أوروبا، تبرز إنكلترا وفرنسا وإيطاليا كقوى طامحة لاستعادة الهيمنة بعد أعوام من الصعود الأفريقي والآسيوي، إذ قال مدرب إيطاليا للناشئين في تصريحات لموقع "فيفا": "نحترم الجميع لكننا جئنا للفوز".

"البومة"
وتحضر في خلفية البطولة قصة رمزية جميلة، تمثلت في إعلان التعويذة الرسمية "بومة "، المستوحاة من شخصية المدرب الصربي الأسطوري بورا ميلوتينوفيتش، الذي قال تعليقاً على هذا التكريم: "أكثر ما يسعدني هو رؤية المواهب الناشئة وهي تخوض أولى خطواتها نحو المجد". كلمات تختصر فلسفة البطولة التي لا تهدف فقط إلى التتويج بالكؤوس، بل إلى اكتشاف نجوم المستقبل وصناعة الأمل في ملاعب "أسباير".

ستتكرر الأجواء التي عرفها العالم في 2022: ملاعب مثالية، جماهير من كل القارات، أضواء تتلألأ فوق الدوحة، واحتفاء بالحلم الكروي في أجمل صوره. ومع كل صافرة بداية، سيشعر الجميع بأن قطر لا تستضيف فقط بطولة، بل تكتب فصلاً جديداً في كتاب المجد الرياضي، فيما ترفع المنتخبات العربية رايتها عاليةً بحثاً عن لحظة تبقى في الذاكرة.