"جنّة كرة القدم" ... الدوري الإيطالي خارج التغطية عربياً
في الثمانينيات والتسعينيات، تصارعت منصّات البث التلفزيوني لنيل حقوق الدوري الإيطالي لكرة القدم، لكن "سيري آ" حالياً، يواصل غيابه عن شاشات القنوات العربية، في مشهدٍ يعكس تحوّلاً واضحاً في خريطة البث الرياضي في المنطقة.
كان "كالتشيو" سيّد سهرات نهاية الأسبوع في البيوت العربية، إزاء سطوة إيه سي ميلان ويوفنتوس وبارما وإنترناسيونالي ميلانو وسامبدوريا وغيرها، فيما باتت المتابعة آنياً حكراً على المنصّات الرقمية، وخاصة تطبيق "StarzPlay" التي جُدّد العقد معها إلى 2028 مقابل 25 مليون يورو تشمل 16 دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فضلاً عن القناة الرسمية للدوري على الإنترنت، ما قلّص من دائرة الوصول إلى الجمهور العام.

التحول الرقمي أظهر فجوة كبيرة في المنطقة العربية، إذ إن المتابع أو المشجع في هذه البلدان، اعتاد لسنوات على مشاهدة "ديربي الغضب" لمدينة ميلانو أو قمة تورينو أو لقاءات "الكلاسيكو" وأطرافها يوفنتوس ونابولي وميلان وانتر فضلاً عن صعود قوى جديدة مثل اتلانتا وبولونيا، فأصبح مضطراً للاعتماد على الإنترنت وتطبيقات البث، وهو ما لا يتاح للجميع بسهولة لأسباب تقنية أو اقتصادية، وتالياً قلّص حضور الجمهور العربي، بعدما كانت معدلات المتابعة لديه مرتفعة إلى جانب بطولتي إنكلترا وإسبانيا.

تسويقياً، خسرت القنوات العربية فرصة ثمينة للاستفادة من نسب مشاهدة عالية وعوائد إعلانية كبيرة، إذ امتلك الدوري الإيطالي تنوّعاً جماهيرياً يجعله منتجاً إعلامياً مربحاً، لولا غياب الحقوق عن السوق الفضائي العربي.
ورغم الغياب الإعلامي والتراجع في الحضور الجماهيري العربي يأتي في وقتٍ يعيش فيه الدوري الإيطالي واحداً من أكثر مواسمه تنافساً. فبعد مرور عشر مراحل، لا تزال هوية البطل مجهولة؛ أربع فرق تتصارع على الصدارة، والفارق بين الأول والسابع لا يتجاوز ست نقاط. مشهد يعكس شدة المنافسة، ويؤكد أن كالتشيو ما زال يحتفظ بجاذبيته الكروية رغم غيابه عن الشاشات.
ويرى المحللون أن أزمة الدوري الإيطالي في العالم العربي ليست فنية بقدر ما هي إعلامية، فبينما تواصل الفرق الإيطالية تقديم كرة قدم حقيقية تجمع بين التكتيك والحماسة، وفرق تاريخية قادرة على جذب ملايين المتابعين، تعجز المنظومة الإعلامية عن مواكبة هذا الزخم بما يليق به من عرض وترويج.
المستقبل يتطلب حلولاً أكثر مرونة، توازن بين الحقوق الرقمية وعودة البث التلفزيوني إلى المشاهد العربي الذي ما زال يبحث عن المتعة في أبسط صورها: مباراة تُذاع على شاشة في وقتٍ معلوم، تجمعه بعالم الكرة كما اعتاد منذ عقود.
نبض