لا يوجد في الحياة قصة دون نهاية، ولا يوجد شخص ما يستمر في مهنته أو المكان ذاته طوال الحياة، وتتنوع الذكريات بعد الرحيل بين من كتبوا قصصاً جميلة تعلق في الذاكرة، أو بين ما كان رحيلهم مجرد أمر طبيعي ليصبحوا في طيّات النسيان بعدها في وقت قصير.
في عالم كرة القدم يحدث الشيء ذاته، فالجمهور لا ينسَ من أسعده، ومن ذهب للاحتفال أمامه في لحظة كتب بها تاريخ ناديه أو منتخب بلاده، لكن هل ينال النجوم دائماً الوداع المناسب حين يرحلون؟
تقول الحكايات أن رونالدو غادر ريال مدريد من الباب الخلفي تقريباً، لا مباراة تكريمية ولا وداع يليق بما حققه للنادي، حتى أننا لم نعُد نرى كريستيانو يزور برنابيو كما يفعل عادة النجوم السابقين للنادي.
حتى رحيله عن يونايتد حمل صورة شبيهة، لاعب يجلس على الدكة، ثم يخرج ليتحدث بصراحة مع بيرس مورغان في لقاء مثّل طعنة لمدرب الفريق، ومن بعدها يُفتح باب الرحيل إلى خارج أوروبا.
ميسي الذي كسر كل الأرقام مع برشلونة خرج أيضاً من ذات الباب الخلفي، وداعٌ مليءٌ في الدموع لكنه وضع الإدارة بصورة الخائنة لأنها لم تحافظ على النجم الذي قدم كل شيء لناديه الأم دون أن ينال أيضاً فرصة الحصول على ممر شرفي وداعي أمام جمهور كامب نو.
ديل بييرو الذي لعب سابقاً في الدرجة الثانية مع جوفنتوس، وجد ذاته أيضاً أمام مصير شبيه بالماضي، فإعادة النادي بعدها للأضواء، لم تشفع له للحصول على عقد جديد من الإدارة.
فيليب لام اعتزل في بايرن لكن لم يعُد إليه بعد نهاية رحلته كلاعب، شفاينشتايغر لم يجد من يدعمه حين بدت الشكوك تحيط بعلاقته مع غوارديولا ليذهب إلى مانشستر يونايتد ويعيش هناك أسوأ أيامه حين قرر مورينيو إبقاءه في الفريق الرديف، دي بروين خرج من مانشستر سيتي بعد أن اعترف غوارديولا أنه قرر مع إدارة النادي عدم منحه عقداً جديداً.
رونالدو وبنزيمة في تمرين ريال مدريد (وكالات)
قد تظهر بعض الأمثلة اللامعة لنجوم استمروا في أنديتهم كإداريين بعد الاعتزال مثل زانيتي ومالديني، في الوقت الذي أخذ فيه نابولي خطوة أكثر تميزاً للحفاظ على إرث مارادونا حين غيّر اسم ملعبه تخليداً للأسطورة الأرجنتينية.
يتحدث الجمهور أحياناً عن أن علاقة أي لاعب بناديه هي علاقة تعاقدية، يحصل اللاعب على الكثير من المال مقابل الخدمات التي يقدمها للنادي، لكن مستقبل العديد من النجوم أظهر أن الأثر الذي أحدثته مسيرتهم كان عائقاً لهم لإتمام أي عمل مستقبلي.
واحد من هؤلاء كان الأسطورة الإنكليزية آلان شيرر، الذي تحدث عن المشاكل والآلام التي يعانيها رأسه، ذات الرأس الذي لُقب بالرأس الذهبي، نظراً لاعتماده على طوله وإتقانه للرأسيات خلال مسيرته.
كرويف عانى من سرطان الرئة، وقيل أن تدخينه خلال ممارسته كرة القدم كان سبباً رئيسياً في ذلك، غيرد مولر تُوفي بعد إصابته بمرض الزهايمر وحلل البعض الأمر أنه مرتبط أيضاً بكثرة استخدامه لرأسه أثناء فترته كلاعب.
لذا يبدو أن المال الذي يحصل عليه اللاعبون ليس مجرد مقابل عادي لخدماتهم، بل أيضاً بدلاً لصحتهم التي تصبح تحت الخطر، فمن هو النجم الذي لم يجري ولو جراحة واحدة على الأقل في قدمه خلال مسيرته؟ كل هذه تُبقي آثاراً يصعب أن يمحوها في المستقبل.
في النهاية تأتي ساعة الوداع، تبقى الذكريات الجميلة التي يتركها اللاعبون طوال مسيرتهم، بعضهم يخاف ساعة الوداع مثل ما يفعل رونالدو الذي لا يرغب في التوقف يوماً، بالوقت الذي يبدو أنشيلوتي أكثر قناعة لأن المدرب الإيطالي قال ذات يوم: "مازلت صغيراً على تدريب المنتخبات والجلوس لثلاثة أشهر في بيتي دون قيادة الفريق على خط الملعب"، لأن الرجل ذاته اختار قبل عدة أشهر تدريب منتخب البرازيل وكأنه يقول لذاته: "نعم الآن أصبحت كبيراً كفاية لاختار التوقف عن خوض مباراة كل 3 أيام".
كلنا سنغادر وظائفنا يوماً، الحياة تخبرنا بهذا كل يوم، لكن الأجمل بيننا هو من يغادر مكانه وهو يشعر أنه يخرج من الملعب وسط تصفيق من عمل بينهم لوقت طويل تاركاً الذكرى الجيدة قبل ساعة الرحيل، وهكذا هم اللاعبون، لا شيء يعوض عن ذكرى جميلة يتم تخليدها في نهاية رحلتهم.