أندوني إيراولا وبورنموث... دروس في البناء لا في الإنفاق
في بلدٍ اعتادت جماهيره أن تتابع مانشستر سيتي وليفربول وأرسنال ومانشستر يونايتد أبطال الحكاية، خرج من الخلف مشهد جديد في الدوري الإنكليزي لم يكن يتوقّعه أحد. من بين أمواج الجنوب الإنكليزي، ظهر بورنموث بهدوءٍ يشبه مدرّبه الإسباني أندوني إيراولا، ليقلب موازين الموسم ويحوّل "الكرز" الصغير إلى فريق يُحسب له ألف حساب.
لم يعد بورنموث مجرد ضيف على المسابقة أو باحث عن البقاء، بل أصبح فريقاً ينافس الكبار بندّية، بل يتفوّق على بعضهم أحياناً. "الكرز" كما يُلقّب، نضج أخيراً في الجنوب الإنكليزي، وبات فاكهة الدوري التي لا يمكن تجاهلها.
منذ وصوله إلى الساحل الجنوبي في صيف 2023، تعامل إيراولا مع مهمته بعقلية مختلفة. لم يرفع سقف الوعود، ولم يسعَ خلف الأضواء، بل بدأ مشروعه بهدوء، مؤمناً بأن البناء الحقيقي لا يتم في موسم واحد بل بوضع مشروع طويل الأمد والنجاح في تحقيقه. ففي عامه الأول اكتفى بموقع آمن في منتصف الجدول، لكنه زرع الأسس: الانضباط، والتنظيم، والهوية.

في الموسم التالي، بدأت ملامح الثورة تظهر. أصبح بورنموث أكثر شجاعة في امتلاك الكرة، وأقوى في التحولات الدفاعية والهجومية. ومع نهاية موسم 2024-2025، أنهى الفريق الدوري في المركز التاسع، على بُعد خطوات من مقعد أوروبي، في إشارة واضحة إلى أن العمل الصامت بدأ يُثمر.
ومع انطلاق الموسم الحالي، انفجر المشروع في وجه الجميع، وبدأ بالكشف عن هويته الجديدة. بورنموث اليوم لم يعد أحد فرق وسط الجدول بل أنه ينافس الكبار، يقتحم مراكزهم ويتفوق عليهم. "الكرز" الآن يحتل المركز الثاني في جدول الدوري الإنكليزي خلف آرسنال، بعد أن جمع 18 نقطة من 9 مباريات، محققاً خمس انتصارات وثلاث تعادلات وخسارة واحدة فقط. الفريق لم يتذوّق طعم الهزيمة منذ سبع مباريات، ويُعد ثاني أقوى خط هجوم في البطولة حتى الآن، ليؤكد أن ما يحدث ليس مصادفة بل نتاج عمل دقيق.
سرّ النجاح الأول يكمن في إيرولا الذي راهنت عليه الإدارة منذ البداية، ونجح في اكتساب ثقتها. فتمكن من ترك بصمته في هدوء من دون الحاجة إلى خزائن مفتوحة أو لاعبين صف أول. فقط استطاع أن يفرض أسلوبه الخاص، وتطبيق فكره داخل الملعب: ضغط متوسط محسوب، وانتقال سريع بين الخطوط، وتبادل أدوار منضبط بين لاعبي الوسط والأطراف، ومعه تحول الفريق إلى منظومة متماسكة تعرف متى تضغط ومتى تهدأ. وحتى في غرفة الملابس، فرض الإسباني ثقافة "العمل أولاً"، ليصبح الفوز ثمرة جماعية لا إنجازاً فردياً.
قد لا يرفع بورنموث الكأس في نهاية الموسم، لكن ما فعله إيرولا يكفي ليُذكر اسمه بين أبرز قصص النجاح في "البريميرليغ" الحديث. مدرب لم يحتج إلى ضجيج أو تصريحات، بل ترك الأرقام والنتائج تتحدث عنه كل أسبوع.
نبض