صدام المدرسة الهولندية مع النجوم… أزمة فكر لا تنتهي
تُعد المدرسة الهولندية واحدة من أكثر المدارس الكروية منذ السبعينيات بفضل فلسفة "الكرة الشاملة" التي ابتكرها رينوس ميتشلز وطبّقها الأسطورة يوهان كرويف. تلك الفلسفة التي جعلت اللعب الجماعي والانسجام مبدأً لا يمكن التخلي عنهما.
خلف هذا الفكر المتكامل، ظلّت أزمة دائمة ترافق المدرسة الهولندية في كل محطة تدريبية لها: الصدام المستمر مع النجوم الكبار.
ترفض المدرسة الهولندية فكرة "النجم الأوحد"، إذ تعتبر أنّ النظام والانضباط التكتيكي أهم من الأسماء، وأنّ أي تجاوز لهذا المبدأ يُهدد الفكرة ذاتها، فاللاعب مهما بلغت قيمته لا يجب أن يكون فوق المنظومة. لكن هذه الصرامة الفكرية كثيراً ما اصطدمت بالتمرّد من لاعبين أصحاب حضور طاغٍ، لتتحوّل العلاقة من شراكة إلى صراع بين "المنطق" و"الإلهام".
تاريخياً، تكرّرت هذه المعضلة كثيراً، ويمثل لويس فان غال النموذج الأوضح لهذا الصدام. ففي برشلونة، دخل في خلاف حاد مع ريفالدو الذي رفض الأدوار الدفاعية التي فرضها عليه المدرب الهولندي، لينتهي الأمر برحيل النجم البرازيلي. وفي بايرن ميونيخ، تكرّر المشهد مع فرانك ريبيري ولوكا توني بسبب القيود التكتيكية، قبل أن يمتد النهج نفسه إلى مانشستر يونايتد حين قيّد فان غال الحارس ديفيد دي خيا وواين روني بتعليمات أطفأت حريتهم داخل الملعب.
هذا الصدام لم يتوقف عند فال غال فقط، بل هو فكر ممتد ومتوارث، فالأمر لم يختلف كثيراً في برشلونة خلال فترة رونالد كومان عام 2020، الذي قرّر استبعاد لويس سواريز وفرض على ليونيل ميسي التزامات دفاعية صارمة، ما فجّر خلافاً أنهى رحلة "البرغوث" التاريخية مع النادي الكاتالوني.
وفي العقد الحالي، أعاد إريك تن هاغ المعضلة نفسها في مانشستر يونايتد عندما دخل في صدام مع كريستيانو رونالدو حين رفض منح النجم البرتغالي وضعاً استثنائياً داخل الفريق ثم استبعده تدريجياً من تشكيلته، حتى انتهى الأمر برحيله بعد أزمة علنية هزت النادي.
أما المشهد الأحدث في ليفربول، فيتجسد في العلاقة المتوترة بين آرني سلوت ومحمد صلاح. التقارير الأخيرة تتحدث عن فتور واضح بين الطرفين، بسبب أسلوب سلوت القائم على الانضباط الجماعي الشديد، مقابل رغبة صلاح في الاحتفاظ بمساحة أكبر من الحرية الهجومية والتعبير الفردي.

تاريخ المدرسة الهولندية يثبت أنّ أزمتها ليست في الفكرة، بل في تطبيقها. هي مدرسة صنعت الكرة الحديثة بذهنها، لكنها لم تتقن بعد لغة "احتواء النجوم". فالكرة اليوم لا تكافئ الانضباط وحده، بل من يدمج بين الفكرة والحرية.
نبض