أخيراً… انتهت الانتخابات النيابية. ولكن ليتها لم تنته بعملية اغتيال الشهيد جورج حاوي.
اذ كان في ودنا أن نبارك للشعب اللبناني إنجازه أول انتخابات نيابية حرة بعد ثلاثين سنة من الاحتلالات، وإن جرت هذه الانتخابات في ظل قانون مجحف وأعوج، وربما جاء الاغتيال رداً على نجاح هذه الانتخابات، وخصوصاً في مرحلتها الأخيرة، بعدما فشل المتآمرون في نسف العملية الانتخابية وكذلك الاستقرار من خلال اغتيال شهيد انتفاضة الاستقلال الأخ والزميل سمير قصير.
الصفحة الأولى من عدد 2005-06-23.
علينا أن نبارك للشعب اللبناني إنجازه الكبير وإن يكن هذا المجلس لا يمثل فعلاً كل طموحات المواطنين، وخصوصاً أولئك الذين انتفضوا يوم 14 آذار وعبّروا بطرق مختلفة عن خيبة أمل كبيرة نتيجة الممارسات السياسية التي سبقت العملية الانتخابية ورافقتها.
لقد كدنا نخسر إنجاز انتفاضة الاستقلال، إنجاز 14 آذار. بل كدنا نغتال حلم جيل، لأن ثمة من ظنّ خطأ أن تكريس السيادة والحرية والاستقلال يتم بسحر ساحر وبين ليلة وضحاها، متناسين أن المتضرر الأول – وأعني النظام الأمني السوري – اللبناني المشترك – وسائر المتآمرين على لبنان، سيتنازلون عن حلمهم، حلم إلغاء الوطن ومكوناته وخصوصياته دون أي مقاومة. وهذا في نظري منتهى السذاجة! لذلك المطلوب اليوم أولاً وأخيراً، تحصين إنجاز الاستقلال، وانتفاضة 14 آذار، بالتعاون مع المجتمع الدولي الذي أدى مشكوراً ، من خلال القرار 1559 – الذي أؤيده تأييداً كاملاً – دوراً أساسياً في استرجاع لبنان سيادته وحريته واستقلاله.
وعلينا اليوم أن نكسب من جديد ثقة الشعب، ولا سيما ثقة الجيل الجديد بإخراجه من حالة الخيبة الى الثقة المتجددة بمستقبل الوطن. إنه التحدي الكبير، بل التحدي الأكبر، الذي سيواجه المجلس الجديد. وهذا التحدي لا يرد عليه بالأقوال فقط، بل بمواقف واضحة مقرونة بأفعال حقيقية، كي لا تبقى المواقف والوعود مجرد حبر على ورق! ونتمنى على جميع المعنيين أن يتعالوا على الجروح ويطووا صفحة الانتخابات ويكفوا عن التراشق الكلامي الرخيص ووضع حد لحملات التحريض والتخوين المدمرة، واتخاذ مبادرات من شأنها إقامة تعاون كامل وشامل في ما بينهم لإنجاز الإصلاحات الضرورية وتحصين الوحدة واستكمال المصالحة الوطنية، بعد تصديق المجلس فوراً على مشروع قانون العفو كي يخرج الدكتور سمير جعجع من سجنه ويشارك الجميع في ذلك التحدي. فوحدتنا هي حصانتنا وضماننا الحقيقي.
فالوطن يستوعب الجميع وهو في حاجة الى جميع الأفرقاء، إذا أردنا فعلاً أن نباشر ورشة جدية للاصلاح والتغيير والبناء. وربما كان المطلوب أولاً حوار حول البرامج لا مبارزات من أجل كسب شعبية.
المطلوب حوار حول برامج وأفكار واضحة تُطرح ديموقراطياً من خلال المؤسسات، بعيداً عن التشنجات والديماغوجيا المبتذلة. وقد تكون الخطوة الأولى لجنة نيابية تنكب فوراً على درس قانون جديد للانتخاب، وتنفيذ اتفاق الطائف بإجراء تقسيمات إدارية جديدة وتطوير اللامركزية الادارية وجعلها إنمائية موسعة من خلال منح المجالس البلدية المزيد من الصلاحيات. وهذه هي الخطوة الأولى والأفضل لإلغاء الطائفية السياسية من خلال إلغاء “الغبن الطائفي المفتعل”.
وكذلك درس امكان انشاء مجلس للشيوخ، على أن يتم تقصير ولاية المجلس الحالي بغية إجراء انتخابات نيابية جديدة على أساس القانون الجديد بعد سنتين.
ومطلوب أيضاً أن يوقّع لبنان، بأقصى سرعة، الاتفاقات الدولية المتعلقة بمكافحة الفساد، والبحث فوراً في إنشاء لجنة تدقيق دولية في سياسة الانفاق التي اعتمدتها الحكومات السابقة لكشف كل الحقائق حول الصفقات المشبوهة والرشى وإهدار المال العام، وإعداد تقرير مفصّل بها يفسّر للشعب ويوضح الأسباب التي جعلت لبنان يرزح تحت أربعين مليار دولار من الدين، على أن تتعهد الدولة المطالبة بتعويضات من كل متورّط ساهم في تخريب لبنان، لبنانياً كان أم غير لبناني، بمن فيهم مسؤولون في النظام السوري، إذا تبيّن أنهم كانوا متورطين في هذه العمليات بشكل أو بآخر!
أما في شأن العلاقات اللبنانية – السورية فلا شك في أن كل اللبنانيين يريدون علاقات طبيعية وممتازة، بل مميزة، مع سوريا. ولكن هذا يستوجب، كشرط أساسي، إنشاء علاقات ديبلوماسية بين البلدين فوراً، وفتح سفارتين في العاصمتين اللبنانية والسورية، وانهاء ملف المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية الذي يجب أن تكون معالجته واضحة وشفافة ونهائية.
وعلى النظام السوري ان يقتنع مرة أخيرة بأن لبنان وطن نهائي، سيد، حر، مستقل، جدير بالاحترام ومثال يحتذى في المنطقة التي لم يفهم حكامها وأنظمتها بعد أن الديموقراطية والحرية هما أساس أي تطور، وان المجتمع المدني هو العصب الحقيقي للتغيير.
وعلى النظام السوري ان يدرك أن عقارب الساعة لا يمكن أن تعود الى الوراء، وأن لبنان القوي والمعافى هو عنصر اطمئنان وقوة لسوريا لا العكس!
لذلك من الأفضل أن تتوقف عمليات نسف الاستقرار في لبنان، من خلال المحاولات الرامية الى تقسيم العائلات الروحية والسياسية بغية إعادة سلطة الوصاية السورية، على خلفية أن لبنان قاصر وغير قادر أن يحكم نفسه بنفسه.
ليت سوريا وإسرائيل تقتنعان بأن لبنان كيان تاريخي، وبأن اللبنانيين وحّدتهم انتفاضة 14 آذار، وبأن إرادتهم الوطنية أقوى من اي مؤامرة تستهدفهم او تستهدف وطنهم! وفي اعتقادنا ان قضية ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا من خلال لجنة المراقبة الدولية، قد تساهم في إيجاد حل سريع لمسألة دير العشائر، وصولاً الى إعطاء جواب نهائي وواضح حول لبنانية مزارع شبعا، مما يمهد السبيل لرفع القضية الى الامم المتحدة بغية ضم تلك المزارع الى لبنان، والعمل بأقصى سرعة لاتمام الانسحاب الاسرائيلي منها.
إن المطلوب من سوريا بكل بساطة، هو “خط أزرق” جغرافي وأمني وسياسي نفتح من خلاله تلك الصفحة الجديدة التي طالما تمنينا أن تُفتح لنوفّر علينا وعلى المسؤولين السوريين الأضرار والمتاعب التي تحملناها بسبب الأداء السيئ للحكم السوري – اللبناني المشترك. باختصار، يواجه هذا المجلس الانتقالي التأسيسي تحديات كبرى، وتتطلع اليه اجيال انتفاضة 14 آذار وجمهورها للنهوض بالوطن وإنجاز التغيير الذي حلموا به، بدءاً بتكريس الوحدة الوطنية وتحصينها، هذه الوحدة التي تجلت من خلال نتائج الانتخابات النيابية، واعتماد مبدأ التغيير والإصلاح والمحاسبة والشفافية.
وعلى التغيير أن يبدأ بتغيير رموز “الذهنية السياسية” التي تمثل الماضي، سواء أكانت على رأس السلطة الإشتراعية أم على رأس… الجمهورية!