عودة كرامي والشعب المجروح
2005-03-10
يا لها من سلطة فاشلة، مفلسة، مضحكة مبكية، خاضعة كلياً للوصاية السورية، تلك السلطة، التي تحاول تكليف السيد عمر كرامي ترؤس الحكومة الجديدة وهو الذي اضطر الى ان يستقيل أمام انتفاضة الشعب وغضبه، فسقط في الشارع، وانتزعت من حكومته الشرعية الشعبية الحقيقية.
ثم يتكلمون على انفتاح، وحوار، وتغيير في النهج والتعاطي، وعلى رغبة حقيقية في الخروج من الأزمة، متجاهلين أن تكرار تكليف كرامي تأليف الحكومة هو قمة الوقاحة السياسية، وخصوصاً بعدما حمّل الشعب السلطة والرئيس كرامي وحكومته بالذات المسؤولية عن تدهور الأوضاع، والافلاس، والخراب الذي نتج من التمديد للرئيس اميل لحود.
أفلا تُعتبر اعادة تكليف الرجل الذي استقال تحت ضغط الشعب واستنكاره الاهمال الرسمي في التعاطي مع جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري قمة التحدي لهذا الشعب المجروح والمنتفض، والذي حمّل الحكومة ورئيسها المسؤولية عن التقصير في كشف قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والمشاركين في الجريمة والمتواطئين معهم؟

على اي حال لم نكن ننتظر من سلطة كهذه أداء مختلفاً. فهي التي ضربت عرض الحائط بدعم سوري وارادة سورية كذلك، محاولات الانفتاح والحوار من جانب المعارضة من اجل الخروج من المأزق الذي اوصلتنا اليه ممارساتها الخاطئة، عبر التمديد السوري القسري للرئيس اميل لحود.
وموقف المعارضة اليوم حيال ما يحصل واضح، وقد لخصه “دفتر الشروط” الذي وضعته خلال اجتماعها الاخير في المختارة، وليس امام السلطة ومن وراءها سوى العمل على تنفيذه، اذا ارادوا اخراج البلاد من المأزق.
يبقى السؤال: هل تستطيع سلطة رهينة ومستسلمة مثل السلطة اللبنانية، ان تتحرر من ارتهانها المزدوج: للأجهزة الأمنية وللسلطة السورية؟ وكيف؟ بل هل يعود قرار التخلص من هذين الارتهانين الى تلك السلطة بالذات، ام انها مقيدة بطريقة لا فكاك منها بالسلطة السورية التي يبدو انها لا تريد الى الآن التفاعل بشكل ايجابي، مع حقنا في ان نكون احراراً واسياداً ومستقلين، ومع الشرعية الدولية التي تفاعلت مع مطالبتنا بتنفيذ هذا الحق؟ ولا حاجة بنا هنا الى التذكير بأن خطاب الرئيس بشار الاسد كان اكثر من خجول في موضوع الجلاء، اذ لم يقدّم جدولاً زمنياً لانسحاب قواته ومخابراته من لبنان، كما ان اجتماع المجلس الأعلى السوري – اللبناني (نعم) لم يعوّض هذا النقص الفاضح، بل كرس مبدأ اعادة الانتشار الذي يعني عملياً تبنّي السلطة اللبنانية استمرار الوصاية السورية عليها وعلى لبنان!
قد يقول البعض ان من الطبيعي الا يقدّم الرئيس الاسد جدول الانسحاب هدية الى المجلس الاعلى او الى رئيس الجمهورية اميل لحود الذي لا ينتظر مثل هذه الهدية، مفضلاً تقديمها او المقايضة عليها مع الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والمجتمع الدولي عبر بازار قد يكون، في رأيه، مجدياً اكثر بكثير من اي اتفاق مع اللبنانيين!
مع تكرار تأكيدنا ان الاتفاق اللبناني – السوري من أجل تصحيح الخلل في العلاقات بين البلدين بدءاً بجلاء الجيش السوري ومخابراته، وصولاً الى إقامة علاقات ديبلوماسية بين بيروت ودمشق، هو الأمر المجدي لسوريا وللبنان معاً، وهو ما تطمح اليه المعارضة بل لبنان بأجمعه، ويفضي الى أفضل العلاقات وأسلمها بين البلدين.
الى ذلك، علينا ترقب نتائج زيارة موفد الأمين العام للامم المتحدة تيري رود – لارسن لدمشق للإشراف على تنفيذ القرار 1559، من اجل معرفة مدى اقتناع النظام السوري بأن من مصلحته اقامة افضل العلاقات مع لبنان واللبنانيين، واقتناعه خصوصاً بأن ساعة استرجاع لبنان حريته وكرامته وسيادته واستقلاله قد دقت بحسب التوقيت المحلي والاقليمي والدولي!
كلمة أخيرة نقولها للرئيس المستقيل – العائد، هي اننا نتمنى عليه، اذا اراد ان يمحو سلبيات ماضيه، ان ينطلق في مهمته الجديدة حيث انتهى، اي من خطاب استقالته وان يعمل فعلاً على كشف الحقيقة حول اغتيال الرئيس رفيق الحريري من خلال لجنة تحقيق دولية، والسعي الى تأمين الجلاء الكامل للقوات السورية عن لبنان بحسب جدول زمني مضمون دولياً، بغية توفير الأجواء الملائمة لإجراء انتخابات نيابية حرة ونزيهة في اشراف دولي، وبعد اقالة المسؤولين عن الأجهزة الأمنية واحالتهم على التحقيق.
اما الرئيس اميل لحود فلن نطلب منه شيئاً لأنه لا يمكن ان يُطلب شيء من شخص هو المسؤول الأول في الوطن، لم يعتبر ان من واجبه توجيه رسالة الى اللبنانيين ومصارحتهم بما جرى ويجري منذ اكثر من خمسة وعشرين يوماً. بل ربما اعتبر ان خطاب الرئيس الأسد وخطاب من نصّب نفسه زعيماً للموالاة، كانا كافيين للتعبير عن رأي تلك السلطة الخاضعة والساقطة والصامتة والمعادية لشعبها!
نبض