لا تبهدلوا لبنان إرضاءً لسوريا!

المشرق-العربي 12-12-2025 | 05:09

لا تبهدلوا لبنان إرضاءً لسوريا!

وماذا يضير اللبنانيين اذا اعتبر المجتمع الدولي عن حق ان سيادة لبنان واستقلاله في خطر، وعلى هذا الاساس حرّك الآلية الدولية الشرعية المكلفة مهمات كهذه - ونعني بذلك مجلس الامن – فأصدر القرار 1559؟
لا تبهدلوا لبنان إرضاءً لسوريا!
الصفحة الأولى من عدد 2005-02-10. (النهار)
Smaller Bigger

2005-02-10


الى متى ستستمر سوريا وجماعتها في الدولة في مسرحيتهما الهزلية المضحكة المبكية التي تعتمد التهديد وتوزيع تهم العمالة والتآمر؟ وهل علينا فعلاً ان نستمع يومياً الى الكلام المنخفض المستوى الذي يعتمده اهل الحكم من رئيس الحكومة الى نائب رئيس مجلس النواب وصولاً الى وزير الداخلية، كلام الشتم والتهديد الرخيص الذي لم نسمع مثله حتى في اكثر الدول تخلّفاًً، كي لا نقول أكثر القبائل تخلفاً؟! لقد “بهدل” اهل الحكم في لبنان السياسة والحكم والحكام ليس فقط لأنهم ابواق تنطق طبعاً باسم سوريا بل لتحوّلهم الى ابواق شتّامة تنطق ايضا ودائماً باسم سوريا! غريب عجيب امر أهل السلطة.

 

وهل نستمر في تسميتهم هكذا مع انهم ليسوا اهلاً ليكونوا في سدّة اي مسؤولية؟ غريب عجيب امر هذه الموالاة التي تعمل بـ”الريموت كونترول” السوري بعيدا كل البعد عن الاحساس بالكرامة والولاء للوطن.

 

وهل من ضرورة للتعليق على اجتماع عين التينة الاول الذي ذكّرنا بـ”اللقاء التشاوري” الذي اخترعته سوريا لمواجهة “لقاء قرنة شهوان”، وكلنا نعرف كيف كانت نهايته؟

 

الصفحة الأولى من عد 2005-02-10.
الصفحة الأولى من عد 2005-02-10.

 

 

لن ندخل في تفاصيل ما جرى في عين التينة، مقر رئيس مجلس نواب لبنان ولكننا نتوقف بعض الشيء عند “البدعة” التي تطرحها ابواق سوريا في لبنان وهي ان الوطن مقسوم قسمين: قسم اسرائيلي يدعم القرار 1559، وقسم وطني يدعم اتفاق الطائف!

 

وثمة تهمة مضحكة ايضا ترافق هذه البدعة وتوجهها الابواق نفسها الى الامم المتحدة ولا سيما الى مجلس الأمن وهي ان القرار 1559 يهدد الاستقرار اللبناني والامن الاقليمي! فهل من مهزلة، كي لا نقول مسخرة، ادنى من هذه المهزلة التي تصوّر من هو مؤتمن على حماية الامن العالمي والمحافظة عليه انه متآمر على هذا الامن ومنقلب على دوره؟!

 

لقد قلناها سابقا ونكررها اليوم: ان القرار 1559 هو افضل ما حصل عليه لبنان منذ زمن بعيد وهو قرار يخدم المصلحة اللبنانية، وهو بمنزلة تعهد دولي بالمحافظة على لبنان واستقلاله وسيادته، ولا يتعارض مع اتفاق الطائف.

 

والمعارضة التي تؤيد اليوم هذا القرار ليست مرتبطة بالخارج ولا مرتهنة له، كما لا تنفّذ سياسة الخارج ورغباته، بل العكس هو الصحيح، اذ ان الخارج المتمثل بالمجتمع الدولي، هو الذي تجاوب، وللمرة الاولى، مع المعارضة في طروحاتها السيادية من خلال دعمه قرار مجلس الامن رقم 1559.

 

واننا نقولها بكل بساطة ووضوح ان المجتمع الدولي هو الذي وقف مع المعارضة وتجاوب مع مطالبها وليست هي من توجه الى المجتمع الدولي وتجاوب مع مواقفه ومصالحه.

 

وماذا يضير اللبنانيين اذا اعتبر المجتمع الدولي عن حق ان سيادة لبنان واستقلاله في خطر، وعلى هذا الاساس حرّك الآلية الدولية الشرعية المكلفة مهمات كهذه - ونعني بذلك مجلس الامن – فأصدر القرار 1559؟

 

وليسمح لنا المنفذون العامون للسياسة السورية في لبنان بأن نسألهم: لماذا يعتبر دور مجلس الامن من خلال القرار 1559 اسرائيليا مشبوها، بينما لم يعتبر هكذا في كل القرارات الاخرى المتعلقة بالشأن العربي واللبناني وبالاخص قراره المؤيد عام 1989 لاتفاق الطائف؟ أوليست مرجعية الـ1559 والطائف هي نفسها؟ ام ان الاوصاف والتهم توزع فقط بحسب مقتضيات السياسة السورية ومصالحها في لبنان، وليس على اساس السياسة اللبنانية ومصلحة الشعب اللبناني؟

 

ثم لماذا يصرّ اهل الحكم على محاولة اقناعنا بان القرار 1559 يتعارض مع اتفاق الطائف؟ علما ان اتفاق الطائف اصبح دستوراً وله شقان: شقّ يتعلق بالسيادة اللبنانية وسيادة الدولة على اراضيها، وشق آخر يتعلق بالاصلاحات الدستورية. ومن الطبيعي ان يتدخل مجلس الامن الذي يمثل المجتمع الدولي الذي كان الراعي الاساسي لاتفاق الطائف، عندما يتبين له ان الشق الاول المرتبط بالسيادة والذي يدخل في اطار صلاحيات الامم المتحدة، لم ينفّذ بعد، على رغم ان التنفيذ كان مرتبطاً بجدول زمني متفق عليه، وان فئة كبيرة من اللبنانيين تحمّل الدور السوري المسؤولية عن عدم تنفيذ الشق السيادي من الاتفاق.

 

ومن الطبيعي ان يكون تنفيذ الشق الثاني من الاتفاق والمرتبط بالاصلاحات الدستورية من مسؤولية المؤسسات اللبنانية، وبالاخص مجلس النواب الذي يفترض فيه ان يتمتع بشرعية شعبية ناتجة من انتخابات حرة ونزيهة خالية من اي تدخل خارجي ينتقص من السيادة الوطنية.

 

والجميع يعرفون وضع المجلس الحالي وكل المجالس التي انتخبت منذ توقيع اتفاق الطائف والتي خضعت للتدخل السوري المباشر وغير المباشر، قانوناً واقتراعاً!…

 

… لذلك من البديهي ان تجمد الاصلاحات ما دامت السلطة الاشتراعية المسؤولة عنها لا تتمتع بالسيادة وحرية القرار. يقضي المنطق بأن تكون الاولوية اليوم لاسترجاع السيادة والقرار الحر من خلال مغادرة القوات الغريبة الاراضي اللبنانية وحل كل التنظيمات العسكرية غير الشرعية وتسليم سلاحها الى الجيش اللبناني، من اجل التمكن من اجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة!

 

يأتي بعدها مجلس نيابي يتحمل المسؤولية عن تنفيذ التعديلات الدستورية اللازمة لبناء دولة المؤسسات العصرية والعادلة. أليس هذا هو فحوى القرار 1559 الذي يشكل اذاً الآلية الصالحة لتنفيذ اتفاق الطائف؟

 

ان القرار 1559 هو ببساطة تدويل لآلية تنفيذ اتفاق الطائف بعدما فشلت الآلية العربية – الدولية الاولى، ومن ثم الآلية السورية، في تنفيذ الاتفاق مما اساء مباشرة الى المصلحة اللبنانية العليا! علماً ان الطائف كان اتفاقا بين افرقاء عدة من اللبنانيين برعاية دولية وعربية، وقد بقي مشلولاً لان سوريا كانت دائما ترفض اي شراكة عربية او دولية في حل القضية اللبنانية، لذلك هي لم توافق على تنفيذه – على ذوقها طبعاً - الا بعدما توقف عمل اللجنة الثلاثية العربية ومعها الرعاية الدولية بسبب اجتياح صدام حسين للكويت ودخول سوريا على خط التحالف مع اميركا لتحرير الكويت، في مقابل “سورنة” اتفاق الطائف واطلاق يد سوريا في لبنان. وكلنا نتذكر المراحل الصعبة التي عاشها لبنان يومها من اغتيال الرئيس رنيه معوض ثم ما حصل في 13 تشرين الاول 1990 وادى الى ابعاد العماد ميشال عون الى المنفى. ان تدخل مجلس الامن يبدو طبيعيا من خلال الـ1559 تماما كما كان طبيعيا يوم تبنّى الطائف، فلماذا اذاً اتهام المعارضة اليوم بأنها مجموعة عملاء للخارج؟

 

واذا كان المعارضون هم العملاء، فمن تراه يكون الوطني؟ وهل الوطني من يقف مدافعا عن مصالح الشقيق، ولو على حساب الوطن والشعب ام هو الذي يقف بجانب بلاده ليسترجع السيادة والاستقلال والاستقرار لشعبه، ولو على حساب الغريب او الشقيق؟ ومن يخدم هنا المصلحة الاسرائيلية؟

 

هل هو الذي يعمل لتثبيت الاستقرار في لبنان، ام الذي يهدد بنسف الاستقرار واشعال الحروب الاهلية في وجه من يطالب بالسيادة الكاملة والاستقلال التام؟ وهل من الضروري ان نذكّر منتحلي الصفة الوطنية بان اسرائيل هي اول من يطمح الى زعزعة الاستقرار في لبنان، وقد طالبت اكثر من مرة بعدم خروج سوريا من لبنان لان بقاءها فيه هو ضمان لاستقرارها، اي لاسرائيل؟ وكم سمعنا من مصادر موثوق بها ان اسرائيل هي التي اعطت سوريا الضوء الاخضر لتدخل لبنان! واننا لنعجب من هذا اللقاء “الموضوعي” بين ما تريده اسرائيل وما تفعله ابواق سوريا في لبنان. اسرائيل تريد التوتر في لبنان وحلفاء سوريا فيه هم الذين يوترون الاجواء ويحرضون على القتال والتقاتل، واسرائيل تريد ان تبقى سوريا في لبنان وحلفاء هذه يدافعون بشراسة عن الوجود السوري في بلدهم، وبالتالي كفى ابواق الحكم وسوريا توزيعهم التهم بالتعامل مع اسرائيل لأن سياستهم تدينهم وتجعلهم بمنزلة المتهمين الاول بالتآمر على الوطن وسلامته وسيادته وبالتحريض على القتل والتشهير واثارة النعرات الطائفية.


ويا لها من مصادفة عجيبة، غريبة! فمتى يعود الموالون الى رشدهم ويستعملون لغة العقل ويضعون حداً لهذا الكرنفال الكلامي السخيف مدركين ان المطلوب هو ان يسترجع اللبنانيون سيادتهم واستقلالهم، وان يقيموا افضل العلاقات مع سوريا من طريق تصحيح الأداء الاعوج الذي اوصلنا نحن وسوريا الى هذا المأزق الاقليمي والدولي الخطر؟ مع العلم ان سوريا تحتاج الى لبنان لتخرج من هذا المأزق… ولكن الى لبنان معافى سيد حر ومستقل. لقد تغيّر الزمن فليت من يعش خارج الزمن يستفق ويعود الى الواقع قبل فوات الأوان. 

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/10/2025 6:25:00 AM
تحاول الولايات المتحدة تذويب الجليد في العلاقات بين إسرائيل والدول العربية من خلال "الديبلوماسية الاقتصادية"
المشرق-العربي 12/11/2025 6:15:00 AM
قذائف المزّة والعمليتان اللتان لم يفصل بينهما شهر تحمل رسائل تحذيرية إلى الشرع وحكومته، والرسالة الأبرز مفادها أن القصر الرئاسي تحت مرمى الصواريخ.
المشرق-العربي 12/11/2025 2:25:00 AM
إنّها المرة الأولى التي تتهم المنظمة "حماس" وفصائل أخرى بارتكاب جرائم ضد الانسانية.
المشرق-العربي 12/11/2025 2:10:00 PM
شدد على ضرورة منح المحافظة حكماً ذاتياً داخلياً أو نوعاً من الإدارة الذاتية ضمن سوريا كوسيلة لحماية الأقليات وحقوقها.