إحضرْ يا لبنان!
2001-11-15
إعتبار الولايات المتحدة "حزب الله" منظمة ارهابية سيكون له انعكاسات سلبية على الوضع اللبناني الاقتصادي والاجتماعي والسياسي اذا لم يتخذ لبنان اجراءات مناسبة رغم التطمينات الفرنسية. واذا طورت الولايات المتحدة الاميركية "رسالتها" لتفرض حصاراً اقتصادياً او حتى عقوبات على لبنان.
فالموقف الاميركي الاخير هو رسالة الى سوريا اولاً ثم الى ايران وبعدها الى لبنان. وكالعادة، رأينا الوزير باول يجتمع في نيويورك بوزير الخارجية السوري فاروق الشرع ليبحث في موضوع "حزب الله" - هل تطرقا الى موضوع الجولان؟ - عوض ان يجتمع الوزير الاميركي بوزير خارجية لبنان.

هل تعتبر الولايات المتحدة ان لبنان قاصر أو لا يمتلك حرية القرار ام ان قرار "حزب الله" مرتبط بسوريا وايران؟ واذا كان هذا هو الحال فلماذا يستهدف لبنان ويدفع هو الثمن كالعادة؟ الم يكن من الانسب ان يسأل لبنان اميركا بكل وضوح عن الاسباب التي جعلتها تصنف "حزب الله" منظمة ارهابية؟
هل حاولت الدولة اللبنانية بصفتها المسؤولة والمعنية الاولى بـ"حزب الله" كحزب لبناني، ان تدرس "الاسباب الموجبة" التي جعلت اميركا تصنف "حزب الله" منظمة ارهابية؟
هل حاول لبنان ان يعرف اذا كانت هذه الاسباب متصلة بخطف الاجانب والطائرات في الثمانينات، ام بعدم اتخاذ الحزب موقفاً يستنكر هذه العمليات، ام بالعمليات العسكرية التي يخوضها "حزب الله" في مزارع شبعا، ام بموقف الحزب الرافض لقرارات الامم المتحدة ولمسيرة السلام في الشرق الاوسط، ام باسباب اخرى تتخطى الحدود اللبنانية ولا نعرفها؟
يحق لنا كلبنانيين ان نعرف ما هي التهم المنسوبة الينا والى "حزب الله" ، فماذا فعلت الدولة لتستعلم؟ وان هي استعلمت فلماذا لا تُعْلم شعبها؟ والى متى يقبل لبنان بان يُفاوَض بالنيابة عنه؟ مع العلم اننا متمسكون اكثر من اي وقت مضى بوحدة المسارين على صعيد ايجاد حل لقضية الشرق الاوسط، ولكن وحدة المسارين تعني ان لبنان يجب ان يكون حاضراً في الاجتماعات التي تعنيه مباشرة كالاجتماع الذي عُقد بين باول والشرع.
اما بعد، فنظراً الى دقة الموقف وخطورته، اصبح من الضروري ان تتصرف الدولة كدولة سيدة على ارضها بالفعل والقول، وخصوصا اذا اعتبرنا اننا في دولة مؤسسات، وهذا هو الواقع، واذا اردنا ان يتعاطى معنا المجتمع الدولي بطريقة مختلفة عن الواقع الذي كان يعيشه لبنان خلال الحرب، يوم كانت الميليشيات تتقاسم السلطة وتتحكم في القرار.
فبعد اتفاق الطائف وحل الميليشيات اعتبر اللبناني ان عهد الدويلات انتهى الى غير رجعة وان الدولة باتت المسؤولة الاولى سياسيا وعسكرياً وان الجيش وحده مسؤول عن الامن وكل المهمات الامنية والعسكرية.
ورغم ذلك وافق الشعب اللبناني على ان يبقى "حزب الله" ميليشيا مسلحة، لأن قسماً من الجنوب كان محتلا. وبعد الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب اعتبرنا ان من مسؤولية الدولة ان تتسلم الامن هناك. ولكن، ولاسباب لا يجهلها احد، فتح ملف مزارع شبعا غير الآهلة والتي تعود مشكلتها الى اواخر الخمسينات بين لبنان وسوريا، والتي احتلتها اسرائيل من سوريا عام 1967 وعام 1973.
علماً اننا نعتبر ان المزارع ارض لبنانية يجب ان يسترجعها لبنان من المحتل الاسرائيلي. ومع فتح هذا الملف بقيت المقاومة تعمل عسكريا على نحو مستقل في الجنوب.
وفي هذا الظرف الحساس الذي باتت فيه المنطقة مهددة كلها بالتفجر بعدما انفجر العالم بسبب انفجارات نيويورك وواشنطن، في هذا الظرف الدقيق لا يمكن ان يكون قرار الحرب او السلم، قرار شن العمليات او عدم شنها، قرار استعمال القوة العسكرية او التحرك الديبلوماسي من اجل استرجاع الارض، قرارا منفرداً يتخذه طرف او حزب عن كل الوطن وكل الشعب، وخصوصا في ظل دولة تقول انها دولة مؤسسات وجيش قادر على تحمل المسؤولية القتالية والامنية.
كما لا يجوز ان يكون مفتاح هذا القرار خارج لبنان او يُفاوض عليه خارج لبنان وعلى حسابه. مصير الوطن على المحك اقتصاديا واجتماعياً وسياسياً. وأي خطوة ناقصة في الجنوب او غيره لن تقتصر تأثيراتها ومضاعفاتها على "حزب الله" بل ستصيب جميع اللبنانيين.
اذا كانت الدولة تعتبر ان تحرير مزارع شبعا يستوجب عملاً عسكرياً فعليها ان تتخذ القرار على صعيد وطني شامل وان تتحمل المسؤولية ويقوم الجيش بهذه المهمة.
وقد يُطلب من العناصر العسكرية ل "حزب الله" ان تنخرط في الجيش وتعطيه سلاحها ويصبح عندها "حزب الله" حزباً سياسياً كسائر الاحزاب اللبنانية التي لا يقل حسها الوطني عن حس "حزب الله" الوطني والتي تعتبر كما يعتبر الشعب ان المطلوب حصر العمل العسكري في الدولة كي لا يتطوع كل طرف ويعود فيؤلف ميليشيا لتحرير الارض على حسابه!...
واذا رفضت الدولة هذا الاقتراح معتبرة ان "تورّط" الجيش يورّط لبنان ويعطي اسرائيل حجة لتضرب الدولة والمؤسسات، نقول ان اسرائيل لا تميز في اعمالها العدوانيّة لتقصف وتقتل وتدمرّ، وانه اذا اعتبرت الدولة ان لبنان غير قادر على تحمّل حرب جديدة فهذا يعني ان الدولة لا توافق على الاعمال العسكرية التي يقوم بها "حزب الله" وانها غير قادرة على منعه! علينا ان نعرف حقيقة موقف الدولة وعلى الدولة ان تتحمل مسؤولياتها وتواجه شعبها وتصارحه وتستمع اليه.
لا نريد ان يُفهم كلامنا تجنياً على "حزب الله" - معاذ الله! - ولكن في هذا الظرف المصيري من الضروري ان نوحّد الصفوف ونصهر القرار ونتسلح باستراتيجيتنا وننتقل من حالة رد الفعل الى الفعل لنواجه التهديدات الاميركية والاسرائيلية.
من الاجرام ان نبقى في هذه الحالة الضبابية نتخبط في التخّلف واللامسؤولية. طبيعي ان تتحرك المقاومة - اي مقاومة - باستقلالية ذاتية عسكرية وامنية وسياسية في حال غياب سلطة مركزية او في حال تفويض رسمي من السلطة المركزية او في حال التمرد على السلطة المركزية.
ولا نظن ان هذا هو الواقع القائم في لبنان بين الدولة و"حزب الله". مما يعني ان لا ضرورة لمقاومة مستقلة عن دولة مقاومة. ان ما حصل في ايرلندا مثال في التعاطي السياسي الحضاري ذي المستوى الراقي في التحسس بالمسؤولية الوطنية عندما قرر الجيش السري الايرلندي ان يسلم سلاحه وان ينقل الصراع من الحلبة العسكرية والامنية الى الحلبة السياسية في هذا الظرف الملتهب الذي اعقب حوادث 11 ايلول وكي لا يصنف منظمة ارهابية.
بكل صراحة مطلوب اليوم موقف تاريخي من "حزب الله" ينطلق من اتفاق الطائف الذي ينص على الغاء اي سلاح غير شرعي، موقف تاريخي ينطلق من حرص الحزب على تقوية دولة المؤسسات وتحصين الجبهة الداخلية. كما انه مطلوب من الدولة ان تتحمل مسؤولياتها وتسترجع سلطة قرارها وتفرض وجودها على المسرح المحلي والاقليمي والدولي وتفاوض هي باسم لبنان - وهل من أمر اكثر بديهية!؟ - كي لا يتم اي بازار او صفقة سياسية على حساب لبنان حول موضوع "حزب الله" او اي موضوع آخر يعني لبنان مباشرة. نقول هذا الكلام انطلاقا من تجارب سابقة حيث جرت العادة ان يكون لبنان اول المتهمين وآخر من يعلم عن اسباب الاتهام وآخر العالمين بصفقات المساومة والبيع والشراء على ارضه وحسابه وحساب شعبه طبعاً!!!
نبض