من أجل "مدريد عربيّة"
2001-10-18
لعل السؤال اليوم هو عن مدى قدرة بن لادن وجماعته على التحرك خارج الاراضي الافغانية للقيام بعمليات ردا على قوات التحالف الجديد.
فهل تمكن بن لادن من تركيب شبكة عالمية متكاملة لوجيستيا وماليا وعسكريا وامنيا ومخابراتيا وسياسيا؟ وعلى افتراض وجود شبكة كهذه، هل يستطيع تحريكها عن بعد وفي ظل العمليات العسكرية التي تحصل في افغانستان وقد تؤدي الى سقوط كابول والحكم الطالباني؟

وهل يذهب سلاح بن لادن وجماعته ابعد من الكلام الطائفي التحريضي الذي يستعملونه لتحريك الغرائز الدينية وصولا الى تحقيق المزيد من العمليات الارهابية اما بالتفجيرات او باستعمال السلاح البيولوجي وربما النووي؟
فاذا كان بن لادن قد تمكن من الحصول، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وما رافقه من انفلات على صعيد الاتجار بالسلاح التقليدي والمركبات البيولوجية وحتى النووية، على اسلحة من هذا النوع، فاستعمالها - اذا حصل لا سمح الله - قد يؤثر لا على مجرى الحرب ضد الارهاب فحسب، بل على السلم والنظام العالميين باسرهما.
لذلك نرى كل اجهزة المخابرات في العالم تُركّز على محاولة كشف الشبكات الارهابية الى اي تنظيم انتمت وتقطيع اوصالها وضربها من اساسها.
ولهذا تتشدد اميركا في مواقفها من الدول التي تعتبر انها ما زالت تحتضن مجموعات ارهابية بالمفهوم الاميركي.
ولم يكن موقف مستشارة الرئيس الاميركي لشؤون الامن القومي الاخير تجاه سوريا سوى دليل على تصلب الادارة الاميركية حيال هذا الموضوع، وخصوصا بعد الاصابات الاخيرة بالجمرة الخبيثة التي ادت الى هستيريا اميركية ودولية من امكان لجوء بن لادن الى استعمال السلاح البيولوجي او حتى النووي! لذلك نستطيع القول ان الحرب على الارهاب تشن على ثلاث جبهات: الجبهة الاولى عسكرية في افغانستان هدفها اسقاط نظام طالبان والقبض على بن لادن، مع اسقاط كابول الذي ينتظر الاتفاق بين المعارضين الافغان وباكستان والولايات المتحدة على شكل الحكم الافغاني الجديد. الجبهة الثانية هي الحرب التي تطاول العالم كله من اجل كشف شبكة بن لادن وكل الشبكات الارهابية التي تعمل، في رأي الولايات المتحدة وحلفائها، بالتنسيق معاً ورغم تنوع نشاطاتها، ارهابية كانت هذه النشاطات او سياسية او في حقل تهريب المخدرات وتبييض الاموال، يجمعها قاسم مشترك هو زعزعة النظام العالمي الجديد، بل كل الانظمة المستقرة في العالم وابدالها بانظمة طيّعة لهذه الشبكات.
هذه الحرب على شبكات زرع الاضطراب تخوضها وتقودها كل اجهزة المخابرات العالمية بالاضافة الى الانتربول الذي يضطلع بدور المنسق العام في حقل تبادل المعلومات.
اما الجبهة الثالثة فهي الجبهة السياسية التي تعني خصوصا منطقة الشرق الاوسط، وغايتها قطع الطريق على بن لادن وجماعته الذين يحاولون استعمال كل الذرائع لتسويق عملياتهم الارهابية، وفي شكل خاص الدين الاسلامي والقضية الفلسطينية. من هنا رأينا انتقالا نوعيا في الموقف الغربي، اولاً لجهة الاعلان الاميركي عن ضرورة قيام دولة فلسطينية، وثانيا في الموقف البريطاني الذي انتقل من مرحلة “وعد بلفور” الى مرحلة ما يشبه “وعد بلير” عندما اعلن رئيس الحكومة البريطانية تأييد بلاده لاقامة دولة فلسطينية.
ومما لا شك فيه ان هذين الموقفين هما مكسب اساسي للفلسطينيين ولقضية الشرق الاوسط، يُرجى الاّ يؤدي اغتيال الوزير الاسرائيلي المستقيل الى اضاعتهما، خصوصاً ان رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون سيحاول حتماً الافادة، كما اعتاد ان يستفيد، من اي عملية ليزيد في تطرفه، وبالتالي يقطع الطريق على كل محاولة سلام.
ان اعادة خلط الاوراق الحاصلة في العالم يمكن، اذا احسن العرب استغلالها، ان تفضي الى تصحيح الخلل المزمن في تعامل الغرب مع ما سمي “قضية الشرق الاوسط” بل تصحيح موازين التعامل مع كل بلدان المنطقة والعالم الثالث على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والانمائية والثقافية.
وانها فرصة امام الانظمة العربية لتصحح اوضاعها الداخلية عبر اتاحة المجال لانطلاقات شعوبها وانماء اوطانها.
هذه الفرصة قد تنقذ الانظمة المذكورة التي اوصلت سياساتها القمعية والمتخلفة العالم العربي الى ما وصل اليه، واسهمت في “حقن” الناس حتى الانفجار… هذا الحقن الذي يستغله بن لادن وجماعته وقد يستفيد منه اكثر اذا وقع العالم العربي في حالة فوضى مأسوية تأكل الاخضر واليابس.
انطلاقا من الواقع الطارئ نرى الوقت ملائما للدخول مع الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة في مفاوضات ترسم اطر التعامل والتنسيق لنحدد اولا ماذا نريد نحن وماذا يمكننا ان نعطي في مقابل ما يجب ان نطلب.
ولكن كل هذا يتطلب استراتيجيا عربية موحدة ورؤية واضحة. وهو ما نفتقده اليوم على صعيد السياسة العربية الداخلية والاقليمية والدولية.
ولقد عبّر عن هذا الواقع المفلس والمؤلم وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم الذي سمّى الاشياء باسمائها في مؤتمره الصحافي بعد انتهاء اجتماع وزراء خارجية الدول الاسلامية والعربية. ان الضياع الذي عبّر عنه وزير خارجية قطر هو العائق الاساسي امام الاستفادة من الحالة الدولية القائمة، كي لا نقول في ظل البازار السياسي والعسكري الدولي الجديد، فهل يؤدي كلامه الى صدمة ايجابية يتجاوب معها الحكام العرب؟ اننا في حاجة ملحة الى انعقاد “مدريد عربية” تجمع اصحاب الرؤية والقرار في العالم العربي وتتوخى وضع رؤية عربية مشتركة ترسم الحد الادنى من الثوابت والقواسم المشتركة العربية وتستبق انعقاد “قمة مدريد 2” الهادفة مبدئيا الى تصحيح قمة “مدريد الاولى”
نبض