لا، العالم ليس قسْمين!

المشرق-العربي 12-12-2025 | 04:59

لا، العالم ليس قسْمين!

 ماذا لو حكم بن لادن او اشخاص من مدرسته عالمنا العربي او حتى أبعد وأكثر من عالمنا العربي؟
لا، العالم ليس قسْمين!
الصفحة الأولى من عدد 2001-10-11. (النهار)
Smaller Bigger

2001-10-11

 

استمعنا الى أسامة بن لادن يطلق “حربه الصليبية” ضد الغرب وضد حكام العالم العربي وضد كل من ليس “مسلماً أصولياً” - يعني كافراً - حسب مفهومه الخاص لا حسب مفهوم الاسلام الحقيقي الذي نعرفه.

 

استمعنا الى بن لادن في “فشة خلقه” التي ربما، وللوهلة الاولى، “فشت خلق” الكثير من المواطنين في عالمنا العربي الذين ضاق خلقهم بسبب نصف قرن وأكثر من الطغيان والتخلف والقمع والفساد على حساب الانسان وحقوقه والمجتمعات وانطلاقها.

 

واستمعنا الى بن لادن يتكلم عن القضية الفلسطينية وعن أرض فلسطين بمفهومه الخاص لهذه القضية ولهذه الارض سواء من حيث الانتماء او من حيث الهوية، مفهوم من غير الصعب ان يستعمل لخدمة مآرب السياسة الاسرائيلية، وتهديد المجتمع الفلسطيني - الذي تميز بتعدديته واستمد قوته في مواجهة العدو الاسرائيلي من هذه التعددية - مفهوم يهدده بالانشقاق وبحرب أهلية تمزقه وتقضي على الارض والشعب والقضية.

 

 

الصفحة الأولى من عدد 2001-10-11.
الصفحة الأولى من عدد 2001-10-11.

 

لعل في كلام بن لادن تشخيصا لاحدى المشاكل الاساسية التي نعانيها جميعا والتي أسهمت وما زالت في زعزعة الاستقرار في المنطقة، عنيت القضية الفلسطينية! مع العلم بأنها المرة الاولى التي يتذكر فيها بن لادن القضية الفلسطينية!

 

ومع ذلك لنُعذر على القول ان المشروع الوحيد الذي اقترحه بن لادن للحل هو الحقد والانغلاق والقتل والدمار.

 

وانطلاقا من هذا الواقع نطرح سؤالا على أنفسنا: ماذا لو حكم بن لادن او اشخاص من مدرسته عالمنا العربي او حتى أبعد وأكثر من عالمنا العربي؟

 

كيف تغدو “الحياة” السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفكرية عندئذ؟ الجواب بسيط والمثل حي امامنا: انه في افغانستان وفي سياسة طالبان ومواقف جماعة بن لادن.

 

عندها نقول وداعاً للديموقراطية، وداعاً لكل أنواع الحرية، وداعاً للعيش المشترك، وداعاً لحوار الحضارات وتفاعلها، وداعاً لحقوق الانسان وللانسان، وداعاً لحقوق المرأة، وداعاً للمساواة بين المرأة والرجل، وداعاً للتقدم والتطور والعلم…

 

ان الاحتجاج على الواقع العربي الراهن أمر مشروع، ولكن يجب ان يقترن ببدائل أفضل من الواقع الراهن وليس أشد سوءا وظلاما.

 

والتجربة الفاشلة للأنظمة العربية مع “الديموقراطية” - واعني التي اعتمدت التوتاليتارية - وبخاصة على مستوى القمع ومنع التقدم والتطور ومصادرة الشعوب والغاء كل نوع من انواع الديموقراطية، دفعت بالشعوب المقهورة الى التفاعل مع أي حركة تغييرية، او تدّعي التغيير، ولو كان نحو الوراء. ان القهر أخصب البؤر. وقد كان في العالم العربي وما زال نهباً للانتهازيين والانتحاريين، للأسف الشديد، ولم يكن ولا مرة فرصة لابطال التقدم والتحرر، الا ما ندر.

 

فهل نتركه يظل كذلك؟ وبالاضافة الى القهر، ثمة مسؤولية تقع على عاتق الغرب، بسبب مساندته الدائمة لأنظمة القمع والطغيان في العالمين العربي والاسلامي.

 

وفوقها وابرزها كلها الدعم المطلق من الولايات المتحدة لاسرائيل على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، وحقوق العرب في صراعهم مع اسرائيل.

 

وكل الالتباس الناشئ اليوم في العالم وخصوصاً العالم العربي حول تحديد مفهوم الارهاب والارهابيين، فضلا عن قضية كسب الغرب تأييد العالم العربي في الحرب على الارهاب، كل هذا الالتباس سببه الاساسي عدم ايجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية وقضية الشرق الاوسط. والغرب مدعو اليوم بالحاح هو وحلفاؤه العرب الى وضع خطة سياسية اجتماعية اقتصادية انمائية تواكب الخطة العسكرية والامنية لمحاربة الارهاب، خطة غايتها حل قضية الشرق الاوسط والعمل على قيام أنظمة ديموقراطية متطورة في العالم العربي تخلصاً من الانظمة التوتاليتارية التي يعم فيها الفساد ولا تراعي الحد الادنى من حقوق الانسان.

 

واذا حاولنا ان ندرس بدقة خريطة ما يسمى الحركات الارهابية سنرى انها انطلقت كلها من الدول القامعة للحريات، مما جعل شعوبها تثور وتنتفض وتنساق وراء تيارات لا تخدم الديموقراطية ولا الحريات، تيارات استفادت من هذا الواقع الشعبي والسياسي المؤلم لتختبئ وراء طيبة المقهورين وتنفذ مشاريعها المجنونة والتي لا علاقة لها من قريب ولا من بعيد بتطلعات هذه الشعوب الحالمة بغد افضل يخرجها من العذاب والفقر والظلم والاختناق.

 

   ان مشروع اسامة بن لادن قوامه اصولية بدائية تتبرأ منها الاكثرية الساحقة من المسلمين.

 

ناهيك بأن هذا المشروع يغفل العرب والعروبة ويركز على الاسلام والمسلمين، جاهداً لحصر معركته في اطار ديني. وهكذا يبدو خطابه وكأنه من عصر آخر ويستعدي جبهات العروبيين جميعاً، بل كل القوميات في العالم الاسلامي، مبرراً نظرية “صدام الحضارات” التي لا مصلحة اطلاقاً للعرب في تحقيقها، لا لانها تظهرهم على غير حقيقتهم الانفتاحية والتسامحية فحسب، بل ايضاً لانها على الارجح، اذا تحققت، فإنما سيكون ذلك، ومرة اخرى، على حسابهم، نظراً لغياب التوازن بين “المعسكرين”.

 

   لقد نسي اسامة بن لادن ان قضية فلسطين هي قضية العرب اجمع مسيحيين ومسلمين، وان المسيحية لم تستورد الى العالم العربي، بل انتشرت نحو العالم من العالم العربي، تماماً كالإسلام. ان هذه واحدة من “نسيانات” زعيم “القاعدة”.

 

وليس من المبالغة القول ان مشروعه كسواه من المشاريع المماثلة، مشروع حرب اهلية عربية قد تبدأ في فلسطين ويكون هدفها احلال نظام عنصري ذي لون واحد لا يمكن الا ان يخدم مشروع اسرائيل وآرييل شارون بالذات الذي يعتبر ان التعايش والعيش المشترك في المجتمعات الواحدة مستحيل، مما يبرر قيام دويلات طائفية مذهبية منغلقة على نفسها تماماً كالدولة والمجتمع الاسرائيليين.

 

بالاضافة الى الشعار القائل، وانطلاقاً من هذه الفلسفة، إن اي تعايش او سلام او سلم اهلي بين العرب واسرائيل حتى المبني على حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية ولقضية الجولان هو امر مستحيل.

 

   اما المعادلة التي يكون بموجبها كل معارض لبن لادن او للارهاب مؤيداً لسياسة اميركا او الغرب او اسرائيل، فهي حكم سطحي وخاطئ. كثيرون من مناهضي الاصولية (المسيحية والاسلامية واليهودية على السواء) هم ايضاً من منتقدي السياسة الاميركية، وبعضهم من اشد غلاة المعارضة لها. ومن السذاجة، بل الحماقة تقسيم العالم بين جبهة بن لادنية وجبهة اميركية - غربية.

 

ومن هذا القبيل يعتبر تصريح الرئيس بوش “من لم يكن معنا كان مع الارهاب” نوعاً من التبسيط الانفعالي الذي لا يمكن تطبيقه عملياً على مدى طويل ولا حتى قصير.

 

وليس هو بالتأكيد السبب الاول للتحفظ عن بعض السياسات الاميركية الشرق الاوسطية، وليس من ينسى، مثلاً لا حصراً، تلاشي الوعود التي قطعتها واشنطن للعرب يوم قيام التحالف الاول بعد الغزو العراقي لدولة الكويت.

 

يومها كان من المتفق عليه ان ينطلق مؤتمر مدريد ليتوصل الى نتيجة واحدة واضحة هي تكريس السلام العادل والشامل في الشرق الاوسط والضغط على اسرائيل لتقبل بهذا السلام. … وانعقد مؤتمر مدريد وضاعت الوعود المقطوعة للعرب.

 

فهل تكون الحرب الحالية على الارهاب العالمي التي يقوم بها التحالف الجديد الذي يتزعمه جورج بوش الابن، المفترق الاساسي ونقطة الانطلاق لتنفيذ ما وعد به ذات يوم جورج بوش الاب لحل قضية الشرق الاوسط؟ اذا حصل ما نتمنى ان يحصل يكون العالم قد دخل مرحلة جديدة عبر تفكيك قنبلتين موقوتتين تهددان السلم العالمي: قنبلة الارهاب وقنبلة القضية الفلسطينية… … ويا للسخرية! قد نقول يومها شكراً لبن لادن على تطرفه المدمّر الذي جعل العالم يستيقظ من غيبوبته !

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/10/2025 6:25:00 AM
تحاول الولايات المتحدة تذويب الجليد في العلاقات بين إسرائيل والدول العربية من خلال "الديبلوماسية الاقتصادية"
المشرق-العربي 12/11/2025 6:15:00 AM
قذائف المزّة والعمليتان اللتان لم يفصل بينهما شهر تحمل رسائل تحذيرية إلى الشرع وحكومته، والرسالة الأبرز مفادها أن القصر الرئاسي تحت مرمى الصواريخ.
المشرق-العربي 12/11/2025 2:25:00 AM
إنّها المرة الأولى التي تتهم المنظمة "حماس" وفصائل أخرى بارتكاب جرائم ضد الانسانية.
المشرق-العربي 12/11/2025 2:10:00 PM
شدد على ضرورة منح المحافظة حكماً ذاتياً داخلياً أو نوعاً من الإدارة الذاتية ضمن سوريا كوسيلة لحماية الأقليات وحقوقها.