كتاب مفتوح إلى بشار الأسد… الرئيس
2001-07-26
منذ أكثر من سنة، وقبل توليكم الحكم في سوريا، توجهنا اليكم بكتاب مفتوح وقلب مفتوح لنقول لكم ما نعتبر ان من الضروري ان يقال عن لبنان ومشاعر اللبنانيين وهواجسهم وأفكارهم حول العلاقات اللبنانية - السورية.
يومها اعتبرنا أنه من الضروري ان يقال ما لم ولن يقوله حلفاء سوريا في لبنان، ومهما تكن الحقائق جارحة، لأن قول الحقيقة هو نصف الطريق الى ايجاد حلول، وهو ضروري اذا أردنا فعلاً ان تصحح الاوضاع بغية فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين.

وها نحن اليوم في مرور سنة على توليكم الحكم في سوريا ما زلنا نعتقد ان المصارحة هي أفضل الطرق للتوصل الى المصالحة، كما نعتقد انه من الضروري ان ننقل اليكم مشاعر اللبنانيين الذين انتظروا الكثير منكم بعد انتخابكم رئيسا للجمهورية العربية السورية.
بكل صراحة اسمحوا لنا ان نقول الآتي: على صعيد العلاقات اللبنانية - السورية رَجَحت كفة خيبة الأمل، وخصوصا ان اللبنانيين كانوا يحلمون بتغيير جذري للتعاطي السوري بالشؤون اللبنانية.
نقول هذا الكلام ونحن واعون كل الوعي للصعاب التي تواجهونها في اطاركم الداخلي في سوريا لتطبيق سياستكم الجديدة، كما أننا واعون كل الوعي للصعاب التي تواجهونها ونواجهها جميعا على الصعيدين الاقليمي والدولي بعد تولي شارون رئاسة الحكومة في اسرائيل.
ولكن، انطلاقا من هذا الواقع، كان أحرى بالتسريع في تصحيح العلاقة بين لبنان وسوريا ان يساعدكم في مواجهة صعاب الداخل والخارج انطلاقا من المعادلة التي تقول ان لبنان معافى ومرتاحا في علاقته مع سوريا يدعم سوريا اكثر من لبنان مضطرب ومريض ومتأثر بعلاقات عكرة مع سوريا.
سيادة الرئيس، أول خيبات الامل كانت في عدم وفائك بتعهدك ان تكون أول زيارة خارج سوريا هي للبنان.
فمثل هذه الزيارة الرائدة كانت ستكون نقطة الانطلاق على طريق تصحيح العلاقة.
وأنت تعرف ان الحلم السوري القديم والمزمن بضم لبنان او ب”استرجاع” أقضيته الاربعة استنادا الى عدم الاعتراف بوجوده ككيان ودولة مستقلة، قد زرع في اللبنانيين على الدوام الشكوك والريب في حقيقة النيات السورية تجاه لبنان، وذلك على مدى اكثر من نصف قرن من غياب أي تمثيل ديبلوماسي بين الدولتين. لقد زرت الأقربين والأبعدين ولم تزر لبنان. وهنا دعنا نصارحك حول ما يقال عن زيارتك المحتملة للبنان خلال القمة الفرنكوفونية… فمثل هذه الزيارة اذا تمت في القمة قد تستتبع ردود فعل سلبية اذا لم تزر لبنان قبلها، اذ ستعتبر ثمرة للقمة الفرنكوفونية لا بادرة نحو لبنان في ذاته، وستكون زيارة “في لبنان” ولكل الرؤساء المشاركين في القمة وليس للبنان رئيسا وشعبا.
ألا يستحق لبنان زيارة خاصة به لتنقية الاجواء؟ ونتساءل بكل صراحة عن الاسباب الحقيقية لعدم الزيارة ولماذا نُصح لك بتأخيرها؟ ثم دعنا نصارحك ايضا بأن الموقف الرسمي السوري من بعض الزعماء اللبنانيين ولا سيما البطريرك صفير بعد ندائه ومواقفه عاد ووضع سوريا خلال السنة الماضية في خانة الطرف لا في خانة الدولة الشقيقة.
وهذه المواقف التي جاءت على لسان الكثير من المسؤولين السوريين مسّت كرامة هؤلاء الزعماء ومن خلالهم كرامة اللبنانيين.
واستمرار الابواق والاجهزة السورية في لبنان في توجيه الاتهامات الى كل معارض ومحاولة تحريك الشارع كلما ارتفع صوت يطالب بتصحيح ما يجب تصحيحه، خيّب آمال اللبنانيين، الذين أملوا بأن عصر التدخل السوري في الشاردة والواردة قد ولّى بعد توليك الحكم.
سيادة الرئيس، أنت تعرف ونحن نعرف ان الضباط السوريين الكبار في لبنان ما زالوا يؤثّرون في مسار الوضع السياسي اكثر من بعض المسؤولين السياسيين اللبنانيين. وأنت تعرف ونحن نعرف ان الكلمة الاخيرة في السياسة اللبنانية تعود اليهم.
فهل ترى ان هذا الامر مقبول او مسموح في دولة حرة وسيدة؟ ثم، نسألك عن مصير مبادرة الوزير السابق فؤاد بطرس الذي كان مكلفا من سوريا لا من الحكم في لبنان. فأين صارت مبادرته؟ بعضهم يعتبر انها “استُعمِلت” لكسب الوقت وتنفيس الاجواء فقط لا غير… فهل يراد لنا تصديق هذا البعض؟ ثم نسأل عن هذا اللغز الكبير الذي اسمه الطائف.
فما هو الموقف السوري الحقيقي ولماذا لم تنفذ سوريا حتى اليوم الشق المتعلق بها؟ ان ما حصل من اعادة تمركز عسكري سوري في الآونة الاخيرة كان عملاً ايجابياً، ولكن، وبكل صراحة نقول اننا انتظرنا من الدولة اللبنانية ومن سوريا اعتبار ما حصل بداية تنفيذ لما نص عليه اتفاق الطائف حول الانسحاب السوري من لبنان، الا ان هذا لم يحصل، مما جعل هذه الخطوة تفقد ايجابيتها ومصداقيتها. وهنا لا بد من ان نقول ان القضية ليست قضية محاولة تسجيل نقاط ضد سوريا كما يردد المسؤولون السوريون وأبواقهم في لبنان، وانما تسجيل نقاط لمصلحة العلاقات اللبنانية - السورية.
لسوء الحظ، سيادة الرئيس، ما زالت أجواء “التشاطر” تسود العلاقات، وما زالت الثقة غير موجودة، وقضية عدم ارسال الجيش الى الجنوب ساهمت في هذا الوضع، تماما مثل قضية عدم ارسال كتاب خطي رسمي سوري في شأن مزارع شبعا، فضلا عن التعاطي مع “حزب الله” وكأنه فريق او طرف مستقل عن الحالة اللبنانية، مما جعلنا نلمس قيام علاقات بين سوريا و”حزب الله” في معزل عن العلاقات اللبنانية - السورية.
وهذا الامر بالذات يحمل على التأكد مرة اخرى من ان ثمة انتقاصاً من سيادة لبنان وحرية قراره وتدخلاً في شؤونه كما لو كانت سوريا طرفاً لبنانياً داخلياً أو، بالحري، وصية على لبنان ولا تنازَع فيه.
سيادة الرئيس، لقد سمعت الكثير خلال هذه السنة، وقالوا لك الكثير مما أرادوا به تشويه الصورة وتشويه مواقف اللبنانيين المصرين على تصحيح العلاقة، لانهم مصرون على أطيب العلاقات مع سوريا.
سمعت الكثير وقرأت الكثير من التقارير التي دبجها متضررون من أي تصحيح للمسار السوري في لبنان ومتخوفون على دورهم وكأن أحداً يرغب في أن يأخذ دورهم، فيا له من دور هذا الذي يجعلنا أبواقا او منفذين… نصارحك اليوم انطلاقاً من ايماننا بأنه خلال السنة الماضية، ورغم بعض الايجابيات، ما زالت الاجواء السلبية تسود العلاقات سواء على المستوى الاقتصادي وما يحصل من تهريب ،أو على المستوى الاجتماعي وما لم يحصل في قضية حل العمالة السورية في لبنان، او على المستوى السياسي وكل التدخلات لكل الاجهزة في الشؤون اللبنانية الداخلية والتصريحات غير اللائقة لبعض الوزراء السوريين ضد زعماء لبنانيين وتجاه سياسات لبنانية لا علاقة لهم بها، او على المستوى العسكري خصوصا بعد رفض الدولة اعطاء تفسير حقيقي لعملية اعادة التمركز السوري وعدم اعلان موقف سوري واضح من ربط هذه العملية باتفاق الطائف، رغم الكلام الايجابي الذي قرأناه على لسانكم في جريدة “السفير” حول تمسككم بتنفيذ اتفاق الطائف.
وهنا يحق لنا ان نسأل لماذا نعيش حالة تناقضات تجاه السياسة السورية وبسببها في لبنان؟ وإلى متى هذه الاوركسترا البارعة في توزيع الادوار وعكسها؟ سيادة الرئيس، نسمع الكثير ونقرأ الكثير عن الحرس القديم في مواجهة سياستكم الجديدة، ولا نريد ان نتدخل في الشؤون السورية الداخلية، معاذ الله، فنحن نحترم السيادة السورية وقرار دمشق الحر، ولكننا في هذا الشأن بالذات نتمنى ان تتغلب ذهنية الجيل الجديد على ما يسمى الحرس القديم.
نحن مع التطور ومع الانفتاح ومع نقلة نوعية حقيقية لكل ذهنيات العالم العربي ليصبح لنا مكان ودور في العالم الحديث. لقد ناديتم بالتغيير في سوريا ونحن معكم، فالتغيير ضروري، وخطيرة جدا العودة الى الوراء من خلال القراءة في كتب نهاية الستينات وكأن شيئا لم يتغير في الدنيا، كما انه خطير جداً دعم التيارات الاصولية التي تعيدنا الى القرون الوسطى.
اننا نقول لكم، وانطلاقا من تمسكنا بوحدة المسارين بين سوريا ولبنان في مواجهة اسرائيل، نقول لكم بكل صراحة، ولو كانت جارحة صراحتنا - لكنها تبقى أشد ارتباطاً بلغة القلب من الكلام المنمق بالعبارات المخملية والمبني على الرياء والنفاق - نقول لكم انه من الضروري اليوم وقبل الغد تصحيح العلاقات بين لبنان وسوريا واطلاق يد الحكم اللبناني، فهذا الحكم سلّف سوريا أكثر بكثير مما سلّفت سوريا لبنان والشعب اللبناني، وربما اكثر مما هو مطلوب! حان الوقت لنواجه الاخطار معا، جنبا الى جنب، ونفتح صفحة جديدة طالما انتظرناها، والا لن يكون مستفيداً الا العدو الاسرائيلي الهادف دائماً وأبداً الى تفتيت العالم العربي.
سيادة الرئيس، لقد نجحت خلال زياراتك لبعض الدول الاوروبية في دخول العقل الاوروبي. ألا تظن، وأنت من أيّد سلام الشجعان وطالب بتطبيقه ، ان الوقت حان لقيام حوار الشجعان مع لبنان بهدف دخول سوريا قلوب اللبنانيين وعقولهم؟ من الضروري تصحيح العلاقة مع لبنان، استمع الى الشعب اللبناني بقلب مفتوح - لا الى من أوصل العلاقات الى ما وصلت اليه اليوم - الشعب صارحك طوال سنة لأنه اعتبر وما زال يعتبر ان من حقه ان يطالب باحترام سيادة وطنه واستقلاله، من حقه ان يطالب بما انت تطالب به لسوريا باسم الحريات العامة والديموقراطية والتطور.
سيادة الرئيس، ما زلنا نأمل خيراً رغم هذه السنة التي لم تكن لسوء الحظ على مستوى الآمال التي عُلّقت على تسلمك السلطة في سوريا.
نبض