إذا أرادت سوريا الحلّ

المشرق-العربي 12-12-2025 | 04:20

إذا أرادت سوريا الحلّ

 كالعادة، وكلما ارتفعت أصوات تنادي بتصحيح الاداء السوري بدءاً ببرمجة الانسحاب من لبنان، تواجه بالقمع والتهديد والاتهامات
إذا أرادت سوريا الحلّ
الصفحة الأولى من عدد 2001-03-22. (النهار)
Smaller Bigger

2001-03-22

 

عندما تزور هذه الايام دول الخليج وبالأخص دولة قطر حيث تتابع الاخبار هناك، تفرح وتحزن… تفرح عندما ترى بأي طرق ناجعة تمكنت هذه الدول من حل النزاعات بين بعضها البعض وخصوصا النزاعات المتعلقة بمسألة ترسيم الحدود فانتهت كل المشاكل بين قطر والبحرين وقطر والسعودية، وانتهت بالوسائل الديبلوماسية السلمية، بالمفاوضة بعيدا عن الارهاب والتهديد، بل نتيجة وعي المسؤولين في هذه الدول الى ان التحديات العالمية تستوجب حلا سريعاً خدمة لمصالح شعوبهم ودولهم.

 

هكذا حصل، فاحتفل الجميع شعباً ومسؤولين بفرح العيد والانتقال من مرحلة الى مرحلة أخرى هدفها بناء مجتمعات عربية شابة وعصرية تواكب التطور العالمي. … أما الحزن فيعم قلبك عندما ترى بأي طريقة غبية تعالج القضايا العالقة في منطقتنا، وأعني هنا المشكلة القائمة بين لبنان وسوريا، لأن هنالك بالفعل مشكلة بين الدولتين حول أكثر من موضوع.

 

الصفحة الأولى من عدد 2001-03-22
الصفحة الأولى من عدد 2001-03-22

نعم، نقولها صراحة، لا يجوز الاستمرار في التهرب من الواقع، وعندما نقول تهرب نعني تهرب الدولة اللبنانية نتيجة الخوف والاذعان، والدولة السورية نتيجة استمرارها في الدفاع عن سياسة وحلم لم يؤديا الا الى التدهور المستمر على مستوى العلاقة بين البلدين. منذ البداية، وعندما طرحنا صراحة قضية تصحيح الأداء السوري في لبنان وكسرنا جدار الخوف، قمنا بهذه الخطوة لتحسين العلاقة من خلال توضيحها وليس بهدف التآمر على سوريا او على الحكم اللبناني.

 

ولكن كالعادة، وكلما ارتفعت أصوات تنادي بتصحيح الاداء السوري بدءاً ببرمجة الانسحاب من لبنان، تواجه بالقمع والتهديد والاتهامات… فيصبح الجميع ابن “الشيطان الأكبر” ويصبح الجميع متآمراً وعميلاً! نقول هذا الكلام نتيجة لما رأيناه وعشناه من ردود الفعل السورية على التحرك اللبناني حول المطالبة بتصحيح الاداء السوري في لبنان، نتائج سلبية جعلتنا نتشاءم بعدما كنا متفائلين مع انتخاب الرئيس بشار الاسد وما سمعنا عنه من وعود زاهرة.

 

ولكن، لسوء الحظ، أتت المقابلة الاولى للرئيس الاسد كردة فعل سلبية اولى تبعتها ردود فعل متتالية على مستوى المسؤولين في سوريا جاءت تماما كما كانت في الماضي حيث سمعنا الكلام الذي بدأ يؤكد ما كنا نشكو منه ألا وهو الاستمرار في التدخل في شؤوننا بدءاً بتفسير النصوص على الذوق السوري وابداء الرأي في السياسة اللبنانية الداخلية مع وضع نظم جديدة على مستوى التركيبة السياسية اللبنانية، وصولاً الى تحريك الابواق عند كل شاردة وواردة.

 

… وبعدما صدرت مواقف لبنانية سلبية على هذا التشنج، مواقف تعبّر عن خيبة أملها، رأينا لسوء الحظ سجالا يطرح على صفحات بعض الصحف غير اللبنانية ليرد على الاصوات اللبنانية. وكان الرد أسوأ من الكلام الاساسي اذ استمر في تكريس التدخل في شؤون لبنان.

 

وأكثر من ذلك، من خلال قيام “المصادر الاعلامية الرفيعة المستوى” بحملة شتم وتوزيع اتهامات شمالا ويمينا بالاضافة الى التوبيخ والتهجم، حملة لا تليق أصلا ولا بمسؤول في دولة تحترم نفسها.

 

وليت “المسؤول الاعلامي الرفيع المستوى” تجرأ وكشف عن نفسه، ولكن هل من موجب لكشف اسم المسؤول خصوصا عندما نعرف ان لا حرية اعلام في سوريا وان الكلام المنشور والمنسوب لأي كان ما هو الا الكلام الرسمي والموجه والمكتوب سلفاً؟ فمتى تتغير هذه الوسائل وتبدأ المصادر اعتماد وسائل حضارية كاشفة بصراحة عن نفسها؟ لا نقبل بأن تشن حملة سورية على زعيم لبناني او على مرجعيات روحية لبنانية، ولا نقبل ان يهاجَم وليد جنبلاط وان تُشنّ حملة ضده فقط لانه أسقط الصبغة الطائفية التي كانت تعطى - زوراً - لكل من يطالب بتصحيح العلاقة مع سوريا.

 

ولا نقبل بما صدر على لسان هذا المرجع وغيره من المصادر السورية الرسمية من حملة معيبة ضد البطريرك صفير الذي يتخطى تمثيله الطائفة المارونية والمسيحيين والذي هو مرجعية وطنية لجميع اللبنانيين شاء أم أبى المصدر السوري الرسمي!

 

وهل من لبناني يسمح لنفسه بأن يتدخل في شؤون سوريا الداخلية ويوزع التهم شمالا ويمينا ضد المسؤولين السوريين السياسيين او العسكريين او الروحيين حول ادائهم السياسي الداخلي؟ وماذا يكون موقف المصادر الرسمية في سوريا، لو اخذت المصادر اللبنانية تبدي رأيها صراحة في الصحف عما يجري في سوريا؟ ألا يعتبر التصرف السوري تدخلا في الشؤون الداخلية؟

 

إلا اذا كانت سوريا تعتبر ان لبنان ليس بالدولة المستقلة وهو مقاطعة سورية! ألم يحن وقت تغيير هذا الحلم الزائف؟

 

… وقد تكون هذه هي المشكلة بين لبنان وسوريا لان لبنان يعتبر نفسه ويعتبره العالم كله، وبكل تواضع وعن حق وحقيقة، جمهورية سيدة حرة ومستقلة ليست برسم الضم ولا البلع ولا التفتيت. لا نقول هذا الكلام من باب التطرف او من موقع عدائي، بل من موقع من يريد ان يجد حلاً سريعاً وجدياً خدمة لمصلحة البلدين والشعبين.

 

وهنا نتمنى على المسؤولين في سوريا ان لا يحاولوا اعتماد الوسائل القديمة التي أصبحت معروفة والهادفة دائما الى محاولة احداث شرخ داخل المجتمع اللبناني او محاولة تصوير الوضع وكأنه قضية لبنانية داخلية بين المسلمين والمسيحيين.

 

فعيب وألف عيب وحرام اللعب بالنار، نار التفرقة المذهبية والطائفية، التي اذا اندلعت قد تطاول الجميع حتى الذين يعتبرون انفسهم محيّدين! نقول هذا الكلام نتيجة المحاولة التي حصلت في الاونيسكو عندما حاولوا مواجهة قضية المطالبة بتصحيح العلاقة مع سوريا بفتح ملف الحرب اللبنانية وعن طريق تزوير وقائع هذه الحرب واحياء ذكرى مأسوية أليمة لم يحتفل بها كذكرى سابقاً، بهدف اشعال نار الفتنة في الداخل افتعالا… وكلنا نعرف ان لسوريا دورا أساسيا في تنظيم هذا التجمع! وهنا نسأل الدولة كيف تعطي ترخيصا لتظاهرة انقسامية هدفها الوحيد زرع النعرات الطائفية والمذهبية والسياسية بين اللبنانيين؟ وهل ثمة من ضغط على الدولة؟ وهل بافتعالات كهذه تظن سوريا انها ستكسب تأييد اللبنانيين؟ ألم يحن الوقت لاعتماد قراءة ذكية لما يحصل فعلا على الارض وعند الناس؟

 

ألم يفهم الجميع أن هذه السياسة الخاطئة أوصلتنا الى ما وصلنا اليه من رداءة وانهيار على مستوى العلاقة بين البلدين حيث فقدت الثقة على نحو شبه كلي؟ وهل مسموح أن تخضع الدولة او تنجر وراء تصرفات مخابراتية فُرضت عليها من الخارج تفقدها ما تبقى من احترام محلي ودولي لها؟

 

ولكن عن أي احترام نتكلم ونحن نرى دولة مكتوفة امام تحرك نائب من هذا المجلس النيابي يحاضر في مخيم فلسطيني الى جانب شخص مطلوب من العدالة اللبنانية، وربما حضر هذا النائب الى المخيم بطلب خارجي ولاهداف اقليمية معروفة هدفها خدمة هذا الخارج بالذات ضارباً عرض الحائط بالقضاء والكرامة الوطنية.

 

ربما كان حضور النائب في المخيم الى جانب المطلوب للعدالة قد جاء استباقاً لتكريس التكامل والوحدة اللذين يطمح اليهما هذا النائب، فكان حضوره باسم مجلس الشعب السوري حيث لا حكم قضائيا بين سوريا وهذا المسؤول الفلسطيني… على كل حال، “ما بتحرز” ان نتوقف عند ما حصل ولكن نتمنى في هذا الظرف الدقيق ان تكف الدولة اللبنانية عن انتهاج سياسة رد الفعل حيال كل من حاول ان يكون مسؤولا وراقيا في تعاطي الشؤون الوطنية وان تعي سوريا ان مصلحتها ومصلحة لبنان هي في ايجاد حل سريع لهذا الملف العالق وبالطرق السياسية والديبلوماسية - لا باستحضار فرق الشتّامين - وانطلاقا من الاعتراف المتبادل بسيادة الدولتين واستقلالهما. درس حضاري في حل النزاعات علينا ان نتعلمه اذا أردنا ان نخرج من هذا المأزق الذي ان هو استمر فسندفع ثمنه غاليا جدا. وعندما نقول “ندفع” نعني سوريا ولبنان وربما سوريا اكثر من لبنان لان لبنان سبق ان دفع وسبق ان تحمّل مما جعله يعتاد التحمّل ويعرف كيف يتحمل حتى عندما يدفع أغلى الاثمان!! المنطقة على كف عفريت، كي لا نقول على فوهة بركان. والوقت حان للتنازل عن أحلام الماضي الساقطة والمرفوضة وغير الواقعية وابدالها بسياسة واقعية واعية حضارية باسم الاجيال الطالعة وباسم مستقبلنا جميعا

 

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/10/2025 6:25:00 AM
تحاول الولايات المتحدة تذويب الجليد في العلاقات بين إسرائيل والدول العربية من خلال "الديبلوماسية الاقتصادية"
المشرق-العربي 12/11/2025 6:15:00 AM
قذائف المزّة والعمليتان اللتان لم يفصل بينهما شهر تحمل رسائل تحذيرية إلى الشرع وحكومته، والرسالة الأبرز مفادها أن القصر الرئاسي تحت مرمى الصواريخ.
المشرق-العربي 12/11/2025 2:25:00 AM
إنّها المرة الأولى التي تتهم المنظمة "حماس" وفصائل أخرى بارتكاب جرائم ضد الانسانية.
المشرق-العربي 12/11/2025 2:10:00 PM
شدد على ضرورة منح المحافظة حكماً ذاتياً داخلياً أو نوعاً من الإدارة الذاتية ضمن سوريا كوسيلة لحماية الأقليات وحقوقها.