في قبضة الأشباح!

المشرق-العربي 12-12-2025 | 04:15

في قبضة الأشباح!

اننا نعيش حالة لا منطق، حالة رد فعل جماعية وتجاذبات وتناقضات شاملة بين الداخل والخارج، من داخل الداخل وداخل الخارج
في قبضة الأشباح!
الصفحة الأولى من عدد 2001-01-11. (النهار)
Smaller Bigger

2001-01-11

 

بربّكم، ما هو مفهوم السيادة في وطن يكون أهم خبر صحافي فيه اتصال هاتفي يجري بين ضابط أمن لجيش شقيق وزعيم لبناني - يمثل طائفة وتيارا وحزبا - اتصال هاتفي سببه زعل وحرد وهدفه مصالحة؟!

 

بربّكم، ما هو مقياس السيادة لدى الدولة اللبنانية عندما يكون الخبر الآخر، مثلا، زيارة لوزير لبناني يمثل الزعيم اللبناني ويمثل طائفته في الحكم، زيارة هذا الوزير ل”الضابط الشقيق” بالذات وفي مقر اقامته - اقامة الضابط وليس في مقر الوزارة - في قرية بقاعية اصبحت بالفعل “عاصمة القرار” نظرا للزيارات المتتالية التي يقوم بها اليها أكثر من مسؤول وأكثر من شخصية لبنانية. وهنا، وبكل صراحة، أقول ان الملامة ليست على “الضابط الشقيق” بقدر ما هي على هؤلاء الذين يحجّون ويصطفّون على أبواب المقر لمراجعة هذا الضابط في كل شاردة وواردة.

 

الصفحة الأولى من عدد 2001-01-11.
الصفحة الأولى من عدد 2001-01-11.

 

نعم، هذا هو واقعنا، وهكذا كان أيام الحرب، ولهذا السبب ولغيره من قبل ومن بعد، مثله مما هو ظاهر ومما هو خفيّ، ومن غير مثله - بدأت الاصوات تتعالى مطالبة بتغيير الأداء السوري في لبنان وبتنفيذ اتفاق الطائف ووضع جدول زمني لانسحاب القوات السورية واسترجاع لبنان قراره المستقل وسيادته كاملة.

 

وانطلاقا من الخبر “السكوب” حول اتصال النائب وليد جنبلاط ومصالحته - مبروك المصالحة والعقبى لمصالحة الجميع مع المسؤولين السوريين - نؤيد موقف جنبلاط الذي عاد ليذكر بأنه متمسك بمواقفه السابقة التي أعلنها مرارا حول ضرورة تصحيح العلاقة اللبنانية - السورية وضرورة المباشرة بحوار وطني صحيح بغية التوصل الى مصالحة وطنية حقيقية.

 

ونقول ان جنبلاط على حق عندما يطالب الدولة اللبنانية ورئيس الجمهورية بالذات برعاية المصالحة الوطنية ومصالحة الشعب اللبناني مع الدولة السورية انطلاقا من تنظيم العلاقات اللبنانية - السورية على أسس مختلفة.

 

ومعه حق جنبلاط عندما يطالب بتفعيل المجلس الاعلى اللبناني - السوري وتغيير تركيبته، ولكننا نتساءل اذا كان التقصير فعلاً هو فقط من مسؤولية الحكم في لبنان ورئيس الجمهورية بالذات. لا نقول ذلك دفاعا عن الرئيس اميل لحود، وانما لنتذكّر ونذكّر بالدور السوري خلال أيام الحرب، الذي كان يشلّ دائما أي حوار لبناني - لبناني وأي مسعى لمصالحة لبنانية داخلية قد تعيد الى لبنان عافيته ومناعته المطلوبة.

 

وهذا التدخل السوري بالذات لشل الحوارات ولفرض تركيبات سياسية - نيابية وحكومية - وفرض تركيبات على مستوى المؤسسات والادارات، هذا التدخل السوري جعل جنبلاط وغيره يطالبون بتصحيح النهج السوري والعلاقات اللبنانية - السورية! أليس كذلك؟ وإلا فعلى أي أساس انتفض جنبلاط - مشكورا - ليطالب بما طالب به على صعيد ملف العلاقات اللبنانية - السورية؟

 

هذا لا يعني اننا نبرئ الدولة والمسؤولين من التقصير في تفعيل المصالحة الوطنية. ولذلك كنا دائما نقول ان المطلوب من الدولة ان تحاول تفعيل الحوار الوطني والمشاركة الوطنية وان تقوم بمبادرات مختلفة لوضع آلية مصالحة، كمشروع عفو عام وتأليف حكومة وفاق وطني… ولكن كل هذا لم يحصل، بل حصل العكس وصولا الى توزيع الاتهامات بالخيانة لكل من حاول ان يعبّر عن يأس او طالب بحق مغتصب بدءا بالبطريرك صفير مرورا بوليد جنبلاط والرئيس نبيه بري وصولاً الى الرئيس رفيق الحريري بعد “مجازفته” الاخيرة في قضية العماد ميشال عون. لقد تمنينا أكثر من مرة على المسؤولين ان ينطلقوا بورشة حوار ومصالحة لنفهم اذا كان الممنوع في السابق ما زال ممنوعا اليوم في عهد الرئيس السوري بشار الاسد. وحتى اليوم لا يمكننا ان نعرف تماما اذا كان التقصير هو بفعل الممنوع السوري او عدم رغبة الدولة في فتح حوار او خوفها من القيام بأي خطوة قد تغضب الحكم السوري، وذلك قبل ان نعرف اذا كانت هذه السياسة الجديدة قد تزعج بالفعل سوريا او لا تزعجها… مع العلم ان من واجب الدولة ان تتخذ مواقفها الوطنية انطلاقا من المصلحة الوطنية العليا وفي معزل عمن ينزعج او يرضى، محاولةً اقناع المعارضين والمتحفظين بما قامت به خدمة لمصلحة لبنان ومصلحة حسن العلاقة بينه وبين سوريا.

 

وهنا لا بد من ان نسأل المعنيين في لبنان عن الحقيقة حول عرقلة مبادرة الرئيس بري الذي حاول ان يفتح حوارا مع بكركي ومدى الانزعاج السوري في لبنان او في سوريا من هذا التحرك، او بالعكس عدم تدخل سوريا في عرقلة المبادرة مما قد يعني تدخل الاجهزة اللبنانية انطلاقا من سياسة لبنانية داخلية لا أحد يعرف أهدافها الاستراتيجية ولا أبطالها! فهل من جواب صريح وواضح؟

 

وهل يقْدم الرئيس بري ويقول لنا ما حصل معه فعلا؟ وهل من يقول لنا اذا كان ما سُرّب في بعض الصحف العربية حول الموقف السوري السلبي من هذه المبادرة ومن أعلى مرجعية مسيحية روحية، بل وطنية روحية، هو بالفعل موقف سوري رسمي - مما يعني تدخلا مباشرا في السياسة الداخلية اللبنانية؟ السؤال نفسه نطرحه على الرئيس الحريري الذي حاول مشكورا ان يطلق عجلة الحوار من خلال اعطاء ضمانات لعودة العماد عون، واذا بعاصفة تهب ومواقف تتغير حتى من المحسوبين على الرئيس الحريري نفسه… -

 

ولكن من أين أتى الايحاء يا ترى؟ - فهل ما حصل سببه عدم تنسيق مع سوريا، او رفض سوري او عدم تنسيق مع الرئيس لحود ورفض لحود عودة عون او فتح حوار معه، أم لأن الحريري هو الذي طرح هذه المبادرة؟ لا أحد يستطيع ان يجزم في الجواب لأن المعنيين يرفضون او يخافون قول الحقيقة، فتبقى السياسة اللبنانية تحت رحمة “الاشباح” والاجهزة والتجاذبات في الداخل وفي الخارج، ويبقى الوطن ضائعا والشعب خائفا على المصير المجهول وخصوصا في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به المنطقة والذي يحمل في طياته عناوين للتغيير قد لا تكون كلها لمصلحة لبنان والعالم العربي.

 

وما نعيشه اليوم هو خير دليل على ما لا نريد ان نعيشه نتيجة سياسة التجاذبات وردود الفعل: تصريحات من هنا، مصالحات من هناك، الغاء مجلس وزراء من هنا، ضغط من هناك فلقاء رئاسي من هنالك. … جنبلاط يتصالح، يتمسك بموقفه، يهاجم رئيس الجمهورية، ووزير ماروني حليف لسوريا - عنيت الوزير سليمان فرنجيه - يرد على المصالحة الجنبلاطية مع سوريا، يدافع عن الرئيس الحليف لسوريا، ويهاجم بطريقة غير مباشرة ما حاول ان يدافع عنه جنبلاط - عنيت مواقف البطريرك، المصالحة الوطنية، عودة عون الخ… حليف آخر لسوريا يدافع في تصريح من الكويت عن البطريرك صفير - عنيت الرئيس نبيه بري - وافهم اذا تمكنت من أن تفهم يا ايها القارىء…

 

… اننا نعيش حالة لا منطق، حالة رد فعل جماعية وتجاذبات وتناقضات شاملة بين الداخل والخارج، من داخل الداخل وداخل الخارج!… فالى متى نبقى فريسة هذه الضبابية المستبدة وسياسة رد الفعل المبنيّة على فقدان الثقة بين أهل الحكم والشعب وأهل الحكم والشعب وسوريا؟ ألم يفهم بعد المعنيون في لبنان وفي سوريا ان سياسة كهذه لن تخدم الا العدو الاسرائيلي الذي سيجد في المستنقع اللبناني ما يكفيه من تناقضات ليخترق لبنان وسوريا تحقيقا لسياسته الهادفة الى تفتيت المنطقة وضرب كل مقدرات الصمود والبناء والازدهار؟ 

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/10/2025 6:25:00 AM
تحاول الولايات المتحدة تذويب الجليد في العلاقات بين إسرائيل والدول العربية من خلال "الديبلوماسية الاقتصادية"
المشرق-العربي 12/11/2025 6:15:00 AM
قذائف المزّة والعمليتان اللتان لم يفصل بينهما شهر تحمل رسائل تحذيرية إلى الشرع وحكومته، والرسالة الأبرز مفادها أن القصر الرئاسي تحت مرمى الصواريخ.
المشرق-العربي 12/11/2025 2:25:00 AM
إنّها المرة الأولى التي تتهم المنظمة "حماس" وفصائل أخرى بارتكاب جرائم ضد الانسانية.
المشرق-العربي 12/11/2025 2:10:00 PM
شدد على ضرورة منح المحافظة حكماً ذاتياً داخلياً أو نوعاً من الإدارة الذاتية ضمن سوريا كوسيلة لحماية الأقليات وحقوقها.