الصمود أمام عواصف التغيير
2002-10-17
من السخرية الظن ان منطقة الشرق الاوسط من المحيط الى الخليج ستبقى على المستوى الجيوسياسي كما هي اليوم، اذا حصلت الضربة العسكرية في العراق، مع العلم، حسب المراقبين، ان الضربة حاصلة، مع علامة استفهام حول الزمان والشكل والنتائج.
… الزمان قد يكون قبل نهاية السنة بل خلال الشهر المقبل، نظراً للاستحقاقات الاميركية السياسية الداخلية، بالاضافة الى عامل التحرك الديبلوماسي الاميركي الذي يحاول، عبر الاتصالات الثنائية وعبر مجلس الامن الدولي، تأمين اوسع تغطية وتأييد لهذه العملية، مع العلم ان هناك تصميماً من الادارة الاميركية على تنفيذ العملية ولو بالحد الادنى من المشاركة والتأييد الدوليين.

اما الشكل فيبدو ان هنالك بضعة سيناريوات عسكرية ممكنة مرتبطة كلها بما لدى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي من مبررات لضرب العراق او الرد على اي عمل عراقي، عسكرياً كان ام سياسياً لوجيستياً، كرفض تنفيذ بند من بنود قرار مجلس الامن، ويبدو ايضاً ان اي عملية عسكرية قد تأتي بعد حصول عمل عسكري وسياسي ما داخل العراق او بالتزامن واياه.
بمعنى آخر، قد يحصل تمرّد بقيادة المعارضة العراقية فتطالب هذه المعارضة بالاعتراف الدولي بها والتدخل العسكري لدعم تحركها، مما يساعد حلفاء اميركا على تأييد التدخل الاميركي في العراق على اساس انه لن يكون اعتداء بل عملية دعم لحركة تحرر داخل دولة.
مصادر اخرى تقول انه، في حال لم يحصل اي تحرك سابق داخل العراق، قد تشارك في العملية العسكرية وحدات عراقية معارضة، ولو كان عددها صورياً، مع ضباط عراقيين سابقين لوحظ تحركهم اكثر فأكثر الى جانب المعارضة العراقية في الآونة الاخيرة، مما يعني أن وحدات عراقية معارضة قد تشارك في المعارك وتدخل المدن محاولة نيل تأييد المواطنين وتوسيع رقعة “الانقلاب” وصولاً الى بغداد لخلع نظام صدام حسين وقيام حكومة عسكرية عراقية انتقالية.
وهذه التجربة حصلت سابقاً في افغانستان وفي البلقان، بصرف النظر عن مدى النجاح السياسي او العسكري الذي نتج من هذه التجارب. اما النتيجة، فهي مرتبطة مباشرة برد الفعل العراقي، واين يكون؟
ضد دول عربية او ضد اسرائيل وحدها؟ بقصف او بمحاولة الهرب الى الامام مع تحرك عسكري في الداخل وعبر الحدود؟ ومن المؤكد ان اي ردة فعل عراقية ضد اسرائيل ستؤدي الى ردة فعل اسرائيلية ضد العراق، الا اذا دخلت قوى وعوامل اخرى على الخط مثل فتح جبهة عسكرية من الجولان او من جنوب لبنان. ورد الفعل الاسرائيلي قد يُضبط اميركياً اذا امنت اميركا الحد الادنى من المشاركة او التأييد او التحييد العربي في هذه المعركة، الا اذا فُتحت جبهات اخرى، مما يعني توسيع رقعة الحرب لتصبح اقليمية شاملة.
وهنا لا بد من ان نقول انه اذا كانت الحرب محدودة في منطقة العراق وجواره او شاملة وصولاً الى المحيط فيبدو ان هناك قراراً اسرائيلياً للاستفادة مما سيحصل لمحاولة “حل” القضية الفلسطينية اسرائيلياً. بمعنى آخر، ان شارون يعتبر انه من المستحيل القبول بانشاء دولة فلسطينية في الضفة لسببين اساسيين هما انه يعتبر ان هذه الارض مقدسة يهودياً وانه مستحيل على اسرائيل ان تستوعب في هذه المنطقة التطور الديموغرافي الفلسطيني المنتظر خلال العشر او الخمس والعشرين سنة المقبلة.
ومعروف ان شارون يعتبر ان الوطن الفلسطيني يجب ان يكون في الاردن وان اكثرية الشعب الاردني فلسطينية، وعلى هذا الاساس عمل منذ زمن طويل على تقوية التيارات الاصولية الفلسطينية لضرب خط الاعتدال الفلسطيني بقيادة عرفات وتصوير المقاومة الفلسطينية جبهة رفض دائمة تكره السلام والتعايش، محاولاً كسب مبررات للقيام بضربات ضد الشعب الفلسطيني وضد البنى التحتية للسلطة الفلسطينية في الضفة. وهذا بالفعل ما قام به شارون فدمّر كل مقومات الدولة واستمر في عملياته الاجرامية، مما قوّى التيارات الاصولية الرافضة واضعف خط عرفات المعتدل واوجد في الوقت نفسه حالة يأس واستسلام لدى الشعب الفلسطيني الذي بدأ يعتبر ان فرص مقومات الحياة او قيام دولة فلسطينية محترمة في القطاع امر مستحيل، مما قد يستوجب الانتقال الى مكان آخر.
والمكان الآخر الذي يحاول شارون منذ زمن بعيد “تحضيره” ليكون وطناً بديلاً للفلسطينيين هو الاردن. وشارون قد يستفيد من غضب الشارع الفلسطيني في الاردن، بالاضافة الى صعود الرفض الفلسطيني، لزعزعة النظام الاردني بغية تغيير الواقع الجيوسياسي هناك.
وهنا يدخل عامل الحرب ضد العراق الذي سترافقه كل هذه الاحداث لفتح باب اعادة رسم خريطة الاردن وفلسطين والعراق.
وانطلاقاً من هذه السيناريوات بدأنا نسمع عن اعادة قيام مملكة هاشمية متحدة في شكل كونفيديرالية او فيديرالية بين اردن جديد وعراق جديد وفلسطين جديدة، وربما كلها تحت مظلة العائلة الهاشمية، مع مشروع لتوطين الفلسطينيين بين الاردن والعراق.
كل هذا يعني ان المنطقة مقبلة على تغيّرات مع هامش كبير للمجهول حول النتائج والمضاعفات. من هنا نقول ان المطلوب توحيد الكلمة في الداخل وعدم الوقوع في فخ الانجرار وراء اي مخطط اسرائيلي تصعيدي، والعمل على تنفيس الاحتقان الداخلي كمدخل اساسي وضروري لمعاودة الحوار، والعمل على تنسيق المواقف مع سوريا من اجل توحيد الخطوات الواجب اتخاذها لئلا يكون لبنان، كالعادة، كبش محرقة اي اتفاق او خلاف دولي اقليمي.
ان المرحلة خطيرة ودقيقة للغاية وتستوجب عدم اعتماد سياسة تصفية الحسابات وخصوصاً بعد انتهاء القمة الفرنكوفونية التي أمّنت بسحر ساحر هدنة سياسية داخلية نتمنى ان تستمر، بل ان تتطور لتصبح النهج السياسي المعتمد لفتح باب الحوار وصولاً الى المصالحة المنشودة في الداخل ومع الخارج.
نبض