صحيح… متى!؟

المشرق-العربي 12-12-2025 | 03:54

صحيح… متى!؟

 ما جرى في الجنوب اعتدناه. انت تعرف ونحن نعرف ان الدولة “استسلمت” في الجنوب وسلّمت القرار هناك الى “حزب الله”…
صحيح… متى!؟
الصفحة الأولى من عدد 2002-09-05. (النهار)
Smaller Bigger

2002-09-05

 

دخل عليّ صديقي صباح امس وكأنه يجتاح مكتبي ليقول لي: انتظرناهم من الشرق فأتوا من الغرب…

 

ابتسمت وسألته ما مقصده، فأجابني: ولَوْ! انتظرنا دخول الجيش الى مخيم عين الحلوة في الجنوب واذا به يدخل الى مخيم في بعلبك! قلت له: عظيم، على الاقل دخل الجيش الى مخيم - ولو موقتاً - وفرض القانون وقبض على مطلوبين، فلماذا الزعل والغضب؟

 

فقال: لا زعل ولا غضب، ولكن قل لي لماذا يُسمح للجيش بالدخول الى مخيم في بعلبك ولا يسمح له بالدخول الى عين الحلوة؟ ثم من يسمح ومن يعطي الاوامر وعلى اي مستوى تتخذ هذه الاوامر وهل السلطة السياسية على علم بها؟

 

الصفحة الأولى من عدد 2002-09-05.
الصفحة الأولى من عدد 2002-09-05.

 

 

ثم كيف يتم ما تمّ في بعلبك بهذه السرعة ودون اي مفاوضة او مراوغة بينما العكس تماماً حصل في الجنوب، في عين الحلوة، وما زال دون ان يتمكن الجيش من الدخول؟ سَكتّ قليلاً ثم قلت له: ربما حصلت اتصالات سرية في الليل. قاطعني قائلاً: ولَوْ، هل نحن سذّج؟

الا تعتبر ان ما حصل يدخل في لعبة شد الحبال والتجاذبات الاقليمية والرسائل المباشرة وغير المباشرة وبازارات العرض والطلب قبل عملية ضرب العراق؟

قلت له: ربما هذا صحيح لكن قراراً كهذا لا يمكن الا ان يتخذ بعلم السلطة السياسية ووزارة الدفاع… قاطعني وهو يضحك: وزارة الدفاع؟ ألم يقل وزير الدفاع ان ما يجري داخل المخيمات لا يعنيه؟ الم تقل الدولة اننا في غنى عن معارك مع الفلسطينيين قد تكلفنا دماً بينما المعركة الحقيقية هي مع العدو؟ …

 

وتابع صديقي يقول: الم تنتبه ان المصادفة ارادت ان يكون المخيم في بعلبك تابعاً لجماعة ابو نضال الذي “انتحر” او “انتحروه” في بغداد، ونحن نعرف ان لا احد يملك حرية الانتحار في بغداد في ظل النظام العراقي!؟

 

ألا تظن ان ما حصل هو رسالة موجهة الى الولايات المتحدة وان التوقيت مدروس، اذ حصل ما حصل خلال زيارة الموفد الاميركي السفير ساترفيلد؟ الم تنتبه ان ما حصل جاء بعد التصريح المطمئن للموفد الاميركي الذي قال من سوريا انه والادارة ضد مشروع قانون محاسبة سوريا؟ …

 

وتابع: الا تظن ان ما حصل قد يكون هدية سورية الى اميركا او اشارة سورية الى اميركا حول ما يمكن ان تقوم به دمشق في شأن ملف مكافحة الارهاب اذا حصل اتفاق بين دمشق وواشنطن؟ وتابع قائلاً: كما قد يكون ما جرى متابعة لعملية “انتحار” ابو نضال في بغداد، فالعراقيون حاولوا فتح صفحة مع اميركا لتأخير او تأجيل “الضربة” من خلال “انتحار” ابو نضال وربما بالتنسيق مع سوريا، ولانه تبيّن ان ما حصل لم يكف، قد تكون عملية بعلبك بمثابة تنفيذ الفصل الثاني لتحريك بازار المفاوضات في لعبة شد الحبال.

 

قاطعته قائلاً: انت يا صديقي تفتش دائماً عن السيناريوات “الجيمس بوندية” المعقدة! الامور قد تكون ابسط من ذلك، ولعل الدولة اللبنانية اتخذت قراراً بالقبض على مطلوبين ونفذت القرار… قاطعني محتداً: الدولة؟ اي دولة؟ عن اي دولة تتكلم؟ اين الدولة في الجنوب! الدولة موجودة فقط في الداخل لقمع المعارضة!…

 

… عيب يا صديقي، ما تقوله غير مقبول، انت متوتّر… قاطعني وتابع: متوتّر؟ ربما تماماً كالحالة في الجنوب؟ اين دولتك في الجنوب؟ وقل لي كيف اشتعلت الاسبوع الماضي جبهة مزارع شبعا ومن اشعلها، ونحن نعرف ان قراراً كهذا يكلف لبنان غالياً جداً؟ ومن نسّق مع من؟ هل سمعت بأي اجتماع امني لبناني؟ هل نسّق “حزب الله” مع الدولة اللبنانية قبل اشعال جبهة الجنوب التي قد تشعل المنطقة؟

هل استشار احد الشعب اللبناني الذي وحده يدفع الثمن في هذا الزمن الهالك المهلك؟ … قاطعته قائلاً: قليلاً من “الرواق”، انت عصبي وهذا قد يسيء الى صحتك. ما جرى في الجنوب اعتدناه. انت تعرف ونحن نعرف ان الدولة “استسلمت” في الجنوب وسلّمت القرار هناك الى “حزب الله”… ورفضت ارسال الجيش لتأمين سلامة الحدود اللبنانية. قاطعني: الدولة سلّمت القرار او طلب منها ان تسلّم القرار بضغط من دمشق ولاسباب اقليمية تتعلق بالصراع العربي - الاسرائيلي وخصوصاً اليوم بالمشكلة العراقية - الاميركية وعملية الضغط والضغط المضاد… قلت: صحيح، انت تعرف ان لبنان ليس جزيرة وعليه ان يتفاعل مع محيطه… … قاطعني بغضب: يتفاعل؟ ما معنى التفاعل؟ ان يدفع لبنان دائماً الثمن وحده؟ لماذا تتحرك اليوم جبهة الجنوب؟ الا تظن ان ما حصل هدفه تذكير اميركا بأن “سلعة” الجنوب في يد سوريا وان المطلوب التوجه إلى دمشق لضبط الامور في الجنوب كي لا تفتح جبهة ثانية في هذا الزمن الهائل والمهلك؟ الا تظن ان ليس من باب المصادفة ان يكون حصل ما حصل قبل وصول الموفد الاميركي الى دمشق؟ … قاطعته قائلاً: لماذا تُدَخِّل دائماً سوريا في الموضوع؟ ربما ما حصل مرتبط ايضاً بالاتهامات العراقية لايران بعد فضح قضية صفقة السلاح الاسرائيلي الى طهران وما تبعها من اتهامات عراقية للنظام الايراني بأنه عميل لاسرائيل، وانت تعرف مدى ارتباط “حزب الله” بالنظام الايراني. ربما ما حصل جاء كرسالة ايرانية بواسطة “حزب الله” للرد على الاتهامات العراقية وتبييض صفحة ايران الشرق الاوسطية؟ قاطعني صديقي وقال بابتسامة ساخرة: وماذا ايضاً؟ مثلاً لو قلنا ان “حزب الله” وايران، وخوفاً من ان يكونا سلعة في البازار الدائر في المنطقة، ارادا ان يفرضا نفسهما على الصعيد الاقليمي من خلال توجيه رسالة الى اميركا لتفاوضهما مباشرة وان لا احد يمكن ان يفاوض باسمهما او ان يجري صفقة على حسابهما دون علمهما او مشاركتهما؟ قاطعته: رويدك، عيب هذا الكلام عن عمليات “البيع” و”الشراء” وكأن “حزب الله” هو مجرد سلعة في يد هذا او ذاك. انت تعرف ان هناك حلفاً حقيقياً بين طهران ودمشق وان “حزب الله” لا يمكن ان يتحرك خارج اطار سياسة هذا الحلف.

 

- صحيح صديقي، ولكن في هذا الزمن اصبح كل واحد يخاف على نفسه وعلى مصالحه وكل التحالفات ممكن ان يعاد النظر فيها… في هذا الزمن مفهوم الصداقات لا معنى له ولا مكان. سكتُّ قليلاً، فسكت صديقي مستغرباً هذا السكوت المفاجئ وسألني: ما بك؟ زعلان؟ هل من مشكلة لديك؟

 

اجبته: نعم، زعلان على وضعنا، ها نحن نتكلم عن بازارات تجري ورسائل ترسل وموفدين يسرحون ويمرحون وجبهات تشتعل واخرى تقفل بسحر ساحر، وكل هذا دون ان نأتي في حديثنا على ذكر دور الدولة اللبنانية ومكانها وموقف لبنان تجاه ما يجري وحصته في اي صفقة اقليمية…

 

قاطعني صديقي: صحيح، لم نتكلم عن لبنان الا بفعل المفعول به وبفعل “الساحة”، ما ابشع هذا التعبير: “الساحة اللبنانية”! وكأن لبنان ملعب “اجّرته” الدولة او وضع لاعبون كبار ايديهم عليه رغماً عنه وعلى حسابه وحساب مصالحه! انتفضت وقاطعت صديقي: هذا الكلام غير مقبول، لبنان موجود، وشعبه حي…

 

قاطعني قائلاً: لبنان موجود والشعب حي ولكن مسكين شعبنا، كيف تريده ان يواجه ما يحصل من زلزال اقليمي ودولي في ظل هذا الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي هو بمثابة الكارثة الحقيقية التي تكذب الحكومة حول واقعها وحقيقتها! الدولة تكذب على الشعب، و”الزعماء” في المعارضة والموالاة يتلهون بالتوافه السياسية والسخافات وتسديد الفواتير، وكأنه طُلب منهم او سُمح لهم بالتحرك ضمن هذا الاطار وهذه الحدود وحدها فقط لا غير!

 

قاطعته بغضب: كفى تشاؤماً! غير مسموح ان تُصدر حكم اعدام على لبنان بسبب مستوى حكّامه واسفاف سياسييه. قاطعني: لا اتكلم فقط عن المستوى، اتكلم ايضاً عن ارادتهم غير الموجودة والغائبة او المغيّبة في التغيير… اتكلم ربما عن تواطؤ! قاطعته بغضب: خطير كلامك، تتكلم عن مؤامرة ومتآمرين… - صح! … على كل حال يا صديقي، اعلم ان ارادة الشعوب وفق ما يعلمنا اياه التاريخ، كانت دائماً اقوى من المؤامرات والمتآمرين… - صحيح كلامك… ولكن متى يستفيق الشعب وتتحرك إرادته؟

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/10/2025 6:25:00 AM
تحاول الولايات المتحدة تذويب الجليد في العلاقات بين إسرائيل والدول العربية من خلال "الديبلوماسية الاقتصادية"
المشرق-العربي 12/11/2025 6:15:00 AM
قذائف المزّة والعمليتان اللتان لم يفصل بينهما شهر تحمل رسائل تحذيرية إلى الشرع وحكومته، والرسالة الأبرز مفادها أن القصر الرئاسي تحت مرمى الصواريخ.
المشرق-العربي 12/11/2025 2:25:00 AM
إنّها المرة الأولى التي تتهم المنظمة "حماس" وفصائل أخرى بارتكاب جرائم ضد الانسانية.
المشرق-العربي 12/11/2025 2:10:00 PM
شدد على ضرورة منح المحافظة حكماً ذاتياً داخلياً أو نوعاً من الإدارة الذاتية ضمن سوريا كوسيلة لحماية الأقليات وحقوقها.