دور لبنان
2002-03-21
لبنان يتحوّل اليوم مع انعقاد القمة العربية من ساحة المواجهة العربية - العربية والعربية - الاسرائيلية، الى ساحة التلاقي العربي والبحث عن السلام العربي - الاسرائيلي العادل والشامل المنشود.
لبنان الذي استُخدِم طوال ربع قرن ساحة لتصفية الحسابات العربية - العربية وساحة للمعارك العربية - الاسرائيلية وساحة للصفقات الدولية، يعود ليلعب دوره الطبيعي الحقيقي في الشرق الاوسط، دور همزة الوصل، الوسيط، المحاور، المُصاَلِح… طبعاً اذا قررت الدولة ان تخرج من سياسة “المنفِّذ العام” لتضطلع بسياسة لبنانية - عربية تخدم مصلحة لبنان وتفيد العرب.


وانطلاقاً من تمسكنا بهذا الدور الطبيعي للبنان نتمنى أن تعمل الدولة على تأمين الاجواء الملائمة لانجاح القمة العربية عبر تقريب وجهات النظر والابتعاد عن الشحن والتجييش لهذا الطرف او ذاك، لحساب هذا الطرف او ذاك، وعلى حساب المصلحة اللبنانية العليا.
آن أوان انتقال لبنان من ساحة حرب ومواجهة للآخرين الى ساحة سلام وحوار وحرية وديموقراطية… ولم يكن صمود الشعب اللبناني طوال ربع قرن في وجه كل المؤامرات العربية والاسرائيلية والدولية، الا ليؤكد ان لبنان لا يمكن ان يموت او ان تموت فيه الحرية، ولا الديموقراطية اللتان اعتبرهما بعض الانظمة العربية حينذاك بمثابة العدو الاساسي المطلوب قتله كي لا تنتقل عدواه الى ديارهم… فحاولوا قتل لبنان!
صمود الشعب اللبناني جعل لبنان بعد ربع قرن يستضيف أشقاءه العرب باسم التفاهم العربي وباسم السلام العادل والشامل. لذلك، نتمنى على أبطال المزايدة وعلى المتضررين من السلام اللبناني والسلام الشرق الاوسطي ان يكفّوا عن استعمال لبنان ساحة لاطماعهم.. نتمنى عليهم ان يكفوا عن محاولات زرع الفتن العربية - العربية وكأن لبنان ليس بالدولة المُضيفة، وكأنه لا يريد ان يكون شريكاً في المطالبة بالسلام العادل والشامل، بل كأنه عدو من اعداء السلام الشرق الاوسطي والتوافق العربي - العربي.
نقول هذا الكلام رداً على مطالبة امين عام “حزب الله” بانعقاد مؤتمر وطني لمقاومة التوطين والكلام الذي قاله بحق مبادرة الامير عبدالله التي ستبحث خلال اجتماع القمة، مع العلم ان المبادرة ما زالت عناوين كبرى وان احداً لم يرَ نصاً مفصلاً نهائياً كي يتاح المجال لمهاجمة المبادرة او تأييدها.
فلماذا اطلاق النار عليها قبل القمة وخصوصاً ان المعنيين الاول هم الفلسطينيون الذين يبدو انهم وافقوا على المبادرة وان هذه تعتمد، على قرارات الامم المتحدة ومؤتمر مدريد؟ … طبعاً الجواب واضح، “حزب الله” لا يعترف اصلاً بقرارات الامم المتحدة ولا يعترف اصلاً بوجود اسرائيل ويعتبر ان الحل يمر بالغائها لا بقيام دولة فلسطينية الى جانبها.
وهذه السياسة هي سياسة ايران ولا علاقة لها بالسياسة العربية الشرق الاوسطية بما فيها موقف لبنان وموقف سوريا.
ونقول للسيد حسن نصرالله اننا لسنا في حاجة الى مؤتمر وطني لرفض التوطين، لأن جميع اللبنانيين رفضوه ويرفضونه، ونذكره بأن معركة اللبنانيين مع التوطين ومع مشروع كيسينجر بدأت عام 1975، بل عام 1973 يوم اندلعت المعارك بين الجيش اللبناني والمقاومة الفلسطينية، ثم بين اللبنانيين والمقاومة الفلسطينية وسقط الكثير الكثير من الشهداء اللبنانيين المسيحيين والمسلمين منذ 1975 وحتى 1986 آخر حرب خاضتها حركة “أمل” حول المخيمات، دون ان ننسى المعارك بين اهالي القرى الجنوبية والفلسطينيين، سواء داخل ما كان يسمى الشريط وخارجه، كل هذا كي لا يصبح لبنان الوطن البديل.
ورفض التوطين - الذي ليس في حاجة الى اي مؤتمر لبناني - كُرِّس في مقدمة الدستور اللبناني بعد اقراره في اتفاق الطائف، بالاضافة الى مواقف الزعماء الدينيين في لبنان والزعماء السياسيين وعلى رأسهم رئيس الجمهورية، الذين وبصوت واحد قالوا وما زالوا يقولون: لا للتوطين.
اذاً ما الغاية من انعقاد مؤتمر كهذا يا سيد حسن نصرالله؟ الا اذا كان الهدف استعمال هذا العنوان لتنظيم قمة رديفة للقمة العربية يلتقي فيها كل المتضررين وكل من يريد ان “يطبّل ويزمّر” ويزايد تأييداً لبعض الفصائل والتيارات الفلسطينية وغير الفلسطينية الاصولية المتطرفة التي قد تتأثر سلباً بأي حل شامل وعادل لقضية الشرق الاوسط اسوة بشارون والمتطرفين الاصوليين الاسرائيليين! فهل نحن مكلّفون خدمة التطرف المجنون اسرائيلياً كان ام عربياً ام ايرانياً؟ ألم يكفنا اللعب بالنار على الحدود اللبنانية - الاسرائيلية ومن خلال ارسال الاسلحة عبر الاردن الى الفلسطينيين، وغيرها من المواقف؟ ألم يكفنا اللعب بالنار، وهي نار قد تدمّر لبنان وتشعل المنطقة وتنسف حدوداً ودولاً وقد تعطي اسرائيل المزيد من الفرص والذرائع للامعان في تمزيق اوصال العالم العربي؟ الى متى تقبل الدولة اللبنانية بأن يتحكم طرف في مصير لبنان دون الاحتكام الى قرار وطني شامل، وكأنه وحده سيّد الدار، وذلك تحت غطاء من كلمات معسولة توجه الى رئيس الجمهورية لكسب ثقته وتأييده… وكفى بهما ثقة وتأييداً عن ثقة الشعب وتأييده! هل من شكّ في ان اصحاب القضية الأم، اي الفلسطينيون الممثلون برئيسهم الشرعي ياسر عرفات يتمتعون بدرجة كافية من المسؤولية ليعرفوا ما يجب ان يُقبل او يُرفض، أم يعتبرهم المزايدون قاصرين، معتبرين انفسهم - اي المزايدون - “أم الصبي”؟ أليس هذا اهانة للسلطة الفلسطينية؟ دخلنا اليوم الاسبوع الاخير قبل انعقاد القمة وفي المرحلة الادق والاخطر، وواجب الجميع ترطيب الاجواء لتنجح القمة كي نعيد الى لبنان دوره الطبيعي ونخرج من دوامة العنف الانتحاري الذي اغرقنا فيه “جنون” شارون.
وهذا هو واجب الجميع وليس أي شيء آخر، وليس خصوصاً صب الزيت على النار ولا زرع التفرقة بين من دفع غالياً ثمن صراعاته وتفرقته، اي العالم العربي، الذي ومن خلال تآمره بعضه على بعض، خدم اسرائيل طوال نصف قرن على حساب القضية الفلسطينية وعلى حساب كل قضايا العرب. مسؤولية لبنان الوطنية والقومية العربية ان يبذل قصاراه لانجاح القمة وقطع الطريق على المتضررين وأن يسعى لوضع آلية جديدة للعمل العربي المشترك هدفها ابقاء التواصل والحوار من اجل وضع المشاريع المشتركة الاقتصادية والانمائية والسياسية والتوصل الى استراتيجيا عربية موحدة. هذا هو الدور الذي نريده للبنان ابتداءً من اليوم، دور المُصلح لا المُفِتن، دور المحاور لا المتطرف، دور البنّاء لا المدمّر، دور المقرّب لا المفرّق… … دور هو بكل بساطة ترجمة للهوية اللبنانية… فهل من متضرر؟ … بالطبع لا، إلا كل من لا يعترف بهذا الدور وبهذه الهوية، بل بتلك الرسالة، ويريد تغييرها من خلال نسفها ونسف لبنان! فهل من لبناني او مسؤول لبناني ممكن ان يسمح بشيء كهذا؟
نبض