الواضح الوحيد شارون
2002-01-24
يوماً بعد يوم يتضح مدى جدِّية الولايات المتحدة في الضغط على لبنان ودول المنطقة في سياق الحملة على الارهاب.
وآخر الرسائل كانت موقف المندوب الاميركي في الامم المتحدة الذي جدد مطالبة بلاده بارسال الجيش الى الجنوب والضغط على “حزب الله” من اجل وضع حد للعمليات العسكرية والدخول في الحياة السياسية.
ما زالت اميركا تطالب الدولة اللبنانية بأن تنتزع زمام الامور في المناطق المحررة وان لا يكون في الجنوب سلاح غير سلاح الشرعية كي لا تستعمل هذه المنطقة ورقة ضغط على اسرائيل في اطار ما يحصل في الضفة او على جبهة ملف الجولان. وهكذا تحاول اميركا تحييد لبنان بعد انسحاب اسرائيل من الجنوب وفقاً للقرار 425، حيال الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي والسوري - الاسرائيلي، اي فصل قضية لبنان عن القرارين 242 و338.

لا نريد هنا الدخول في سجال مع الدولة حول هذا الموضوع، وخصوصاً ان كثيرين من اللبنانيين يعتقدون ان الوقت حان ليرتاح لبنان ويتوقف عن تسديد الفواتير نيابة عن سواه كي لا نعيش مرة ثانية ما عشناه يوم كانت المقاومة الفلسطينية في الجنوب تسرح وتمرح استدراجاً للاجتياح الاسرائيلي عام 1982.
وما حصل البارحة من عملية ل”حزب الله” ورد وتهديد اسرائيليين يؤكّد المخاوف اللبنانية المبررة، وخصوصاً ان اسرائيل هي دائماً في المرصاد لتستغل أي ذريعة بهدف توسيع نطاق الصراع العربي - الاسرائيلي. فما قام به “حزب الله” في الجنوب يكاد يورط لبنان وسوريا والمنطقة في حرب وكارثة.
فهل يعقل، بل هل مسموح ان يبقى حزب بقواته العسكرية وحده يتحكم بمصير الشعب اللبناني، دون الوقوف عند رأيه، بل بمصير شعوب كل المنطقة؟ لذلك قد يكون اليوم من الافضل ان نتصارح كلبنانيين ومع السوريين: نحن نعرف وسوريا تعرف ان ورقة “حزب الله” ورقة ايرانية - سورية - لبنانية.
ونحن نعرف ان ايران وسوريا لن تتنازلا عن سلاح “حزب الله” دون مقابل تدفعه الولايات المتحدة حتى لو اراد لبنان ذلك.
ونحن نعرف ان لبنان لا يمكن ان يحمي اي اتفاق مع اميركا لا توافق عليه سوريا او لا تشارك فيه خوفاً مما يمكن ان يُفتعل في لبنان.
ولبنان يستقي هذا الخوف من تجارب سابقة عاشها هو وعايشها مع العالم العربي، فيتذكر ما حصل بعد الاجتياح الاسرائيلي يوم مفاوضات 17 ايار التي نالت في حينه تأييداً وطنياً شاملاً ثم انهارت وانهار بعدها الوضع الداخلي اللبناني نتيجة عدم وفاء اميركا بوعدها على مستوى اسرائيل وسوريا.
كلنا نتذكر ان اميركا تعهدت اقناع سوريا باتفاق 17 ايار وطمأنت لبنان الذي لم يكن يومها يريد ان يستمر في المفاوضات مع اسرائيل، لولا الضمان الاميركي باقناع السوريين والضغط على اسرائيل. واذ بلبنان، وبعد التوقيع، يرى نفسه وحيداً بين نارين يدفع ثمن استمرار الصراع الاقليمي والحرب الباردة بين الجبارين وعدم وفاء الولايات المتحدة بوعدها.
نعم، هكذا بكل بساطة وصراحة! اضف الى ذلك الوعود التي كان قد قطعها الرئيس بوش الاب يوم حرب الخليج والتي وعد فيها، لقاء مشاركة الدول العربية في التحالف ضد العراق، بالتوصل الى حل عادل وشامل لقضية الشرق الاوسط، فكانت مدريد التي بقيت خطوة ناقصة حيث ان السلام لم يستكمل.
لذلك، قد يكون التخوف اللبناني والتخوف العربي في محلهما، ولذلك قد يكون من الافضل اليوم ان نبحث جدياً مع سوريا في قضية سلاح “حزب الله” والدور الذي يلعبه الحزب في صراع الشرق الاوسط من اجل التوصل الى وضع تصوّر مشترك نقترحه على الولايات المتحدة لقاء التنازل عن هذه الورقة، عنيت الورقة العسكرية والاقليمية السياسية لدى “حزب الله”.
والثمن قد يكون اقليمياً وليس لبنانياً صرفاً. ولكن من الضروري ان تبدأ مفاوضات لبنانية - سورية اليوم حول هذا الموضوع، ثم مع اميركا كي لا تنحصر المفاوضات بين سوريا واميركا او ايران واميركا ويصبح لبنان كالعادة خارج المعادلة أو داخلها كثمن أو فدية أعطي هذا الطرف أو ذاك.
وانطلاقاً من سياسة توحيد المسارين يجب ان يكون لبنان الشريك الاساسي في اي اتفاق يحصل مع اميركا وسوريا وخصوصاً انه المعني الاول. اما على المستوى العربي، فمطلوب منا ان نستفيد من انعقاد القمة العربية في لبنان لنضع كعرب خطة واضحة حول ما نريده من الولايات المتحدة في شأن حل قضية الشرق الاوسط، وفي تصورنا لمستقبل هذه المنطقة والدور الذي يمكن ان نلعبه في المعادلة الجديدة وضمن النظام العالمي الجديد. مطلوب استراتيجيا عربية موحدة نعرضها على اميركا ونتفاوض معها حولها وحول اي تصور تقترحه هي.
وهنا قد يكون ايضا مطلوباً من اميركا ان يكون لديها تصور واضح تقترحه على العرب، وهذا ما طالب به نائب رئيس الحكومة عصام فارس خلال لقائه الرئيس الروسي بوتين حيث اقترح عليه ان يكون لروسيا وللولايات المتحدة خطة واضحة وتصور واضح لحل ازمة الشرق الاوسط، خطة تُقترح على القمة العربية ليبحث فيها وخصوصاً اذا تعذر على زعماء العرب التوصل الى وضع تصوّر مشترك قبل انعقاد قمة بيروت.
وفي حال بقي الوضع على حاله، يعني لا خطة دولية ولا تصور عربي، ستبقى الحرب على الارهاب وكأنها حرب على العرب، وخاصة ان اميركا تعتقد اليوم ان الموقف العلني الى جانبها اهم من التنسيق تحت الطاولة مع كلام مختلف فوقها… وسيبقى الموقف العربي ضائعاً وسائباً ومضعضعاً، وستبقى المنطقة على كف عفريت مهددة بالانفجار والتفتيت والتقسيم، وستكون وحدها اسرائيل شارون مرتاحة الى وضعها تنفّذ خطتها ومخططاتها. فمجانين واغبياء الذين يصفون شارون بأنه مجنون. ربما هو الوحيد في الشرق الاوسط في الوقت الحاضر الذي يمتلك خطة وتصوراً واستراتيجيا وهدفاً، مهما كانت في نظرنا هذه الخطة جهنمية ومجرمة ومجنونة. فهل من المعقول ان تكون ساحة الشرق الاوسط سائبة لمخططات شارون بسبب غياب التصور العربي والدولي كي لا نقول بسبب غياب العرب؟
نبض