2003-01-28

دافوس… عندما تخرج من “القمقم” اللبناني ترى كم هي سطحية دولتنا وكم هم سخفاء المسؤولون عندنا، كل المسؤولين، وكم هو مهمّش لبنان بل غائب بسببهم. من دافوس تشعر بالغليان، بل تشعر بأن العد العكسي للانفجار الشرق الاوسطي قد بدأ ومعه اعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للمنطقة. فمما لا شك فيه ان قرار الحرب على نظام صدام حسين قد اتخذته الولايات المتحدة، ولم يبق الا تحديد موعد الاندلاع. وهذا الموعد يبدو، حسب المصادر المطلعة في دافوس، مرتبطاً أولاً بالتحضيرات العسكرية واللوجيستية، ثم بعيد الاضحى، اذ يبدو ان الادارة الاميركية تريد ان تتجنب بدء الحرب في العيد.

   على الصعيد العسكري، يبدو ان أميركا، وبعد استكمال عملية نشر قواتها، ستتمكن من شن الحرب وحدها في المرحلة الاولى اذا رفض حلفاؤها المشاركة. وفي هذا المجال جاء خطاب وزير الخارجية الاميركي واضحاً جداً اذ قال ان اميركا ستتحرك حتى لو رفض الآخرون، فكان الخطاب بمثابة النداء الاخير الى الحلفاء قبل انطلاق العمليات.

وهذا الخطاب الذي جاء قبل تقرير بليكس، توقع ان يكون تقرير رئيس المفتشين سلبيا نوعاً ما، خصوصا في ما يتعلق بالاثباتات التي لم تقدمها بغداد حتى اليوم، وهكذا كان. ومن النقاط المهمة التي حملها الخطاب الاميركي اتهام نظام صدام حسين، وللمرة الاولى، بأنه على علاقة بتنظيم “القاعدة”، اضافة الى توضيح أعطاه باول عن القراءة الاميركية لقرار مجلس الامن 1441.

وفي مقابل هذا الموقف النهائي المتشدد تجاه نظام صدام حسين حاول وزير الخارجية الاميركي اعطاء نقاط ايجابية على جبهة حل القضية الفلسطينية، اذ عاد ليؤكد تأييد اميركا انشاء دولة فلسطينية مستقلة من اليوم وحتى سنة 2005، مع نقطة جديدة لم نسمعها من قبل على لسان أي مسؤول اميركي لها علاقة بشكل الدولة، حين قال باول انها يجب ان تكون دولة فلسطينية واحدة غير منقسمة وغير مفتتة، مما يثير تساؤلات عن مكان هذه الدولة لأنها حاليا قائمة على منطقتين متباعدتين، كما انه ذكّر بالموقف الاميركي الرافض لسياسة الاستيطان الاسرائيلية.

   أما حول مستقبل العالم العربي فيبدو أن موقف الولايات المتحدة لم يتغير بالنسبة الى ادخال تغييرات جذرية لتطوير الانظمة العربية على المستوى السياسي وخصوصا في شأن الديموقراطية والحريات العامة.

وفي هذا المجال لا شك في ان أجواء دافوس كانت كلها تدور على كيفية تطوير أنظمة العالم العربي لترسيخ الثقة بين الشعب والحكام كما هو مطلوب ترسيخ الثقة المتبادلة بين الدول والانظمة. وانطلاقاً من هذا المبدأ سمعنا أكثر من سيناريو حول اعادة رسم خريطة الشرق الاوسط من المحيط الى الخليج.

فالخبراء في شؤون المنطقة يعتقدون ان للولايات المتحدة، وربما للمرة الاولى، تصوراً واضحاً لمرحلة ما بعد الحرب وما بعد سقوط نظام صدام حسين، يرتكز أولاً على تحالفات جديدة بنتها الولايات المتحدة أخيراً، ثم على فكرة جديدة تنطلق من تجارب مرحلة ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي والستار الحديدي. ويعتبر بعض الخبراء ان أميركا بنت أخيراً علاقات متينة جداً مع الهند من اجل بناء حلف اميركي هندي - تركي - اسرائيلي، بالاضافة الى دور اساسي قد تلعبه افغانستان على مستوى الموقع الجغرافي، ناهيك بمعلومات تقول ان قوات اسرائيلية اصبحت موجودة في العراق اشارة الى دور اسرائيلي محتمل. أما ايران فيعتبر الخبراء انها حيّدت نفسها ولو موقتا عن الصراع من خلال تأييدها المعارضة العراقية ومساعدتها سياسيا في حقل توحيد الصفوف. وهذا الموقف قد يكون نقطة انطلاق لعلاقات اميركية - ايرانية في مرحلة ما بعد الحرب.

أما بالنسبة للموقف التركي المتردد والخائف من وضع يد الاكراد على بعض النفط العراقي، فيقول الخبراء ان اتفاقاً قد يكون حصل لتشارك تركيا في الحرب وتبقى في المناطق الكردية العراقية عسكرياً وحتى… سياسياً.

   ان المنطقة مقبلة على خضات سياسية أساسية تنطلق ربما من انشاء نظام شرق اوسطي جديد قائم على فيديرالية او كونفيديرالية من المحيط الى الخليج. وهنا لا بد من ان نشير الى انه، وحسب المصادر نفسها، بدأت الدول العربية تشعر بأنها محاصرة ومهددة من مجهول ولهذا نراها خجولة في مواقفها ومترددة تحاول ايجاد دور او القيام باتفاق او صفقة معينة قبل اندلاع الحرب.

من هنا تفسير الموقف العربي الضعيف والمتردد والذي لم يتمكن حتى اليوم من الاتحاد. مع العلم ان اميركا حاولت، وحسب المصادر نفسها، ان تعطي دوراً للمجموعة العربية من خلال المبادرة التركية واللقاء الذي جمع وزراء الخارجية العرب ليقوموا بتحرك واضح من اجل اقناع الرئيس العراقي بالاستقالة، مما يوفر عن المنطقة ويلات الحرب.

وتقول المعلومات ان اميركا انتظرت نهاية اجتماع اسطنبول لتعلن موقفها على لسان كولن باول في ضوء النتائج والمواقف.    … غبيّ من يعتبر ان المنطقة لن تتغير من المحيط الى الخليج… كل الخليج، والتغيير سيكون حتميا نتيجة الحرب على العراق. هذا ما قاله في دافوس خبير في الشؤون الاستراتيجية.

أما الحقيقة الثانية فقد أعلنها العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني، وهي أنْ وحدها معجزة ستمنع نشوب الحرب. وأما الحقيقة الثالثة فهي ان المعجزة، حسب ديبلوماسي عربي كبير، قد تكون فقط في تنحي الرئيس العراقي. ولكن من يعرف الشخص يعرف ان المعجزة لن تحصل. الا اذا حصل انقلاب من الداخل. وأما الحقيقة الرابعة، وقد تكون أصدق وصف للحالة اليوم، فجاءت على لسان أحد رجال الدين المشاركين في دافوس في المنتدى الجديد من أجل حوار الحضارات والاديان، “منتدى المئة”، حيث قال: “التكلم اليوم على حصول او عدم حصول الحرب ضد العراق هو تماما كالتكلم على كيفية تخطي الموت، مع اننا كلنا نعرف أنه قادم لا مفرّ منه!”.