ألا يخجلون!؟

المشرق-العربي 12-12-2025 | 01:04

ألا يخجلون!؟

هل طموحهم أن ننهي كلياً قدرتنا على ان نحكم نفسنا بنفسنا؟ هل يعي من هم في سدة المسؤولية مدى الانحطاط السياسي والاخلاقي الذي أوصلونا اليه بممارستهم السياسية؟
ألا يخجلون!؟
عدد 2003-01-16. (النهار)
Smaller Bigger

2003-01-16

 

إلى متى تستمر هذه المسرحية الهزلية المهينة للبنان ولشعبه؟ الى متى تستمر مسرحية الحرد والزعل والاعتكاف و”المصالحة” القسرية والكذب والتكاذب والبلف ونصب الافخاخ وتصفية الحسابات؟ الى متى يستمر هذا النهج الحكومي المضحك المبكي؟ ألا يشعر من هم في سدة المسؤولية بالخجل؟ ألا يوبخهم ضميرهم كل ساعة، بل كل لحظة؟ ألا يشعرون بالكره الشعبي لهم؟ وهل يريدوننا أن نبتهج ونرقص فرحاً ونحمد الله لأن جلسة مجلس الوزراء ستنعقد اليوم وكأن انعقادها “سيخرج الزير من البير”؟ لا يا جماعة، سنحمد الله ونبتهج يوم نتخلص نهائياً من هذا النهج الحكومي السيئ المبني على الحقد والكذب، هذا النهج الذي صوّر لبنان الرسمي أسوأ من قاصر ولا يدار إلا من فوق، من دمشق بالذات التي تتدخل دائماً بعصاها السحرية لتضع حداً فورياً لحالات الزعل والحرد والاعتكاف… في انتظار عودة التأزم لتعود العصا السحرية!… يا عيب الشوم!!! هل هذا هو طموح حكامنا؟

 

هل طموحهم أن ننهي كلياً قدرتنا على ان نحكم نفسنا بنفسنا؟ هل يعي من هم في سدة المسؤولية مدى الانحطاط السياسي والاخلاقي الذي أوصلونا اليه بممارستهم السياسية؟ بأي منطق يُحْكَم لبنان اليوم؟ بمنطق زعل رئيس الحكومة واعتكافه الابتزازي؟ أم بمنطق التراشق الوزاري الداخلي وآخر فصوله حملة التحريض التي قامت بها أبواق رئيس الحكومة على نائب رئيس الحكومة عصام فارس، ربما لأنه من الذين يصرّون على درس الملفات قبل الدخول الى اجتماع مجلس الوزراء انطلاقاً من رفض مبدأ “البصم”، أو ربما لأنه طالب بوضع نظام داخلي لمجلس الوزراء واعطاء “عن حق” صلاحيات لنائب رئيس الحكومة، أو ربما لأنه لا يُشرى ولا يُباع؟ بأي منطق يُحكم لبنان اليوم؟

 

بمنطق شخصنة الامور وتحويل القضايا السياسية والوطنية حالات خاصة تدخل في خانة تصفية الحسابات من باب اعتماد الابتزاز المتبادل؟ بأي منطق يُحكم لبنان؟ بمنطق الترويكا أم الدويكا؟ بمنطق توزيع مغانم الحرب على من اعتبر نفسه منتصراً في حرب الآخرين على أرضنا؟ بأي منطق يُحكم لبنان؟ بمنطق الحقد وتصفية الحسابات مع كل معارض؟ بمنطق التخوين والتهديد والتهويل والتنكيل؟ بأي منطق يُحكم لبنان؟ بمنطق تسليم القرار الى الخارج، الى الباب العالي حتى تصبح دمشق المرجع الاول والأخير في كل شاردة وواردة؟ ألا يعني ذلك تنازلاً من حكامنا على حساب السيادة والاستقلال والكرامة؟ بأي منطق يُحكَم لبنان؟ بمنطق خنق الحريات واقفال محطات التلفزيون وجعل القضاء أداة لتنفيذ السياسات الشخصية؟ بمنطق أن الشعب دائماً على خطأ والحاكم دائماً على صواب؟ بمنطق ضرب الفقراء، تيئيس الاجيال الجديدة، خلخلة القطاع التربوي، الغاء الثقافة، إحباط الاقتصاد، تمويت القطاع الخاص، تخريب القطاع الزراعي، تفقير الناس واذلالهم؟ بأي منطق يُحكم لبنان؟ منطق تغليب فئة من اللبنانيين على فئة، منطق فرّق تَسُدْ؟

 

 

 

منطق زرع النعرات الطائفية، توسيع الهوة بين المذاهب والطوائف، تغيير الهوية اللبنانية؟ بأي منطق يُحكم لبنان؟ بمنطق العقد المتبادلة والغيرة المتبادلة؟    يتكلمون اليوم عن تغيير حكومي… ما نفع التغيير اذا كان هدفه تغييراً للأسماء مع المحافظة على النهج، وتوزيعاً للقوى بغية تسجيل النقاط بين الرؤساء؟ وما نفع التغيير اذا كان بقرار من سوريا بالذات وبطبخة خارجية تنقل الأسماء بالبوسطة المعهودة، هذه التي اعتدنا ان نراها على خط بيروت - دمشق أيام الانتخابات؟… … مع العلم أننا لسنا أكيدين من ان سوريا قد ترغب في تجديد الاعتماد على طبقة سياسية هجينة ركيكة مفبركة لا تمثل الشعب ولا تعمل إلا دفاعاً عن مصالحها الخاصة وعلى حساب مصلحة الوطن، فقد أثبتت هذه التجربة انها أساءت الى العلاقات اللبنانية - السورية وإلى المصالح المشتركة بين البلدين وصولاً الى خلق شعور عام لدى اللبنانيين بأن سيادتهم منتقصة وقرارهم مسلوب وحريتهم معتقلة. فما نفع التغيير اذا كان من سيئ الى أسوأ، مع العلم أننا لا نظن أن هنالك أسوأ من هذا النهج وهذه الحكومة. التغيير المطلوب هو تغيير في العمق، لا تغيير صُوَري، تغيير في النهج والنفسية، وفي البرنامج والهدف، وعلى مستوى العقول والنفوس قبل الاشخاص.

 

تغيير بل اقتناع بأن لبنان لا يمكن أن يحكم إلا من خلال مشاركة تامة بين كل أبنائه بعيداً عن الغبن والخوف. فلبنان لا يمكن ان يحكم بالطرق المعتمدة في الدول التوتاليتارية ذات نظام الحزب الواحد، كما لا يمكن ان يُحكم بذهنية سلطة المال حيث كل شيء يباع ويُشرى، كما لا يمكن ان يحكم بخلفية تغيير هويته ولونه… وهنا لا بد ان نقول ان لا خلاف بين الهوية العربية والهوية اللبنانية المبنية على التوازن بين الطوائف، لذلك حرام وخطير محاولة تغيير هذه الخصوصية اللبنانية.

 

   واسمحوا لنا أن نوجه كلامنا هنا الى الرئيس الحريري بالذات من باب المصارحة الضرورية، فنقول له ان فئة كبيرة من اللبنانيين تنظر الى سياسته كأنها تهدف الى تغيير هذه الهوية اللبنانية بنهج سياسي لا علاقة للبنان به بل هو أقرب الى نهج الحكم في الدول الخليجية… ربما هذا ليس هدف الرئيس الحريري، ولكن هكذا يتلمسه فريق كبير من الشعب اللبناني.

 

وهذا الكلام نقوله ايضا من باب الصراحة والمصارحة لمسؤولي “حزب الله” بالذات ولأمين عام الحزب السيد حسن نصرالله الذي لا نشكك في لبنانيته ولكن نخشى أن تؤدي سياسة الحزب الاستراتيجية وأداؤه الى تغيير الهوية اللبنانية انطلاقاً من اعتماد مُثل ومعايير رأيناها خصوصا في الجمهورية الاسلامية الايرانية ولا علاقة لها بالهوية العربية او الخصوصية اللبنانية، اضافة الى العلاقات المالية والعسكرية التي تربط الحزب بايران والتي يعتبر عدد كبير من اللبنانيين انها قد تحدّ من لبنانية سياسة الحزب واستقلاليته. واسمحوا لنا أيضاً، ومن باب المصارحة، أن نطالب الرئيس لحود بأن يقتنع بأن ليس هناك من تناقض بين مسيحيته والهوية اللبنانية العربية.

 

نعم، من الطبيعي ان يكون رئيس الجمهورية في لبنان ممثلاً قوياً لطائفته ومدافعاً شرساً عن حقوقها الوطنية، لأن في قوتها قوة للبنان ولأن قوة لبنان تكمن في ان تكون كل الطوائف قوية في تمثيلها وقوية في وجودها في الحكم وقوية في مشاركتها بادارة شؤون الوطن ويرتاح بعضها الى بعض. فالقوة تعطي الثقة والثقة المتبادلة تعطي العافية. … نعم، على رئيس الجمهورية أن يكون زعيماً وطنياً ولكن عليه ان يكون زعيماً في طائفته أولاً ليكون زعيماً وطنياً يمثل كل الطوائف ويحلّق فوق كل الطوائف. فليس معيباً للرئيس أن يكون الزعيم المسيحي المرتاح مع أبناء طائفته والمدافع عن حقوقهم ليدافع عن حقوق أبناء كل الوطن.

 

إنها الحقيقة اللبنانية، وليس معيباً أن يكون لبنان مؤسساً على التعددية الطائفية، فهذه التعددية هي كنز لبنان وسرّ وجوده المتميّز. واسمحوا لنا ان نسأل: أليست قوة الرئيس الحريري منبثقة أولاً من أنه يمثل جيداً أبناء طائفته؟ وهذا ينطبق أيضاً على نبيه بري وعلى وليد جنبلاط وحسن نصرالله… فلماذا لا ينطبق على الطوائف المسيحية بالذات بحيث يكون لها زعيم او زعماء اذا أردنا فعلاً أن نحافظ على التوازن لنخرج من المأزق ولنبعث الحياة السياسية الطبيعية من خلال بعث الأحزاب وصولاً ربما ذات يوم الى بناء مجتمع علماني طالما حلمنا به؟ كلامنا ليس طائفياً ولا مذهبياً. انه كلام ينطلق من الواقع. وواقعنا اللبناني نفتخر به، ومستقبلنا في حاجة الى تغيير جذري في التعامل السياسي لا الى الترقيع الذي أوصلنا الى ما وصلنا اليه اليوم.

العلامات الدالة

مواضيع ذات صلة

12/12/2025 1:50:00 AM

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/10/2025 6:25:00 AM
تحاول الولايات المتحدة تذويب الجليد في العلاقات بين إسرائيل والدول العربية من خلال "الديبلوماسية الاقتصادية"
المشرق-العربي 12/11/2025 4:32:00 PM
 الطفلة رهف أبو جزر، البالغة ثمانية أشهر، توفيت بسبب البرد القارس بعد أن غمرت المياه خيمة عائلتها في خان يونس جنوب القطاع.
تحقيقات 12/10/2025 8:10:00 AM
يعتقد من يمارسون ذلك الطقس أن النار تحرق لسان الكاذب...
شمال إفريقيا 12/10/2025 6:38:00 AM
على خلاف أغلب الدول العربية، لم يحدث أي اتصال بين تونس ودمشق، ولم يُبادر أيٌّ من البلدين بالتواصل مع الآخر بشكل مباشر أو غير مباشر.