بل حفلة غسيل شاملة...!
2003-01-09
هل يعي من هم في سدة المسؤولية من اكبرهم الى اصغرهم كم هو خطير الوضع في البلاد، وان الحالة الاجتماعية على حافة الانهيار، وان لبنان مهدد اليوم بالتفتيت والتقسيم - نعم هكذا - اكثر بكثير مما كان مهددا ايام الحرب؟ هل يعي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ان اداءهم قد اوجد في المجتمع حالات قرف واشمئزاز وتطرف واصولية ويأس وزاد موجات الهجرة بعد تعاظم التساؤل عن جدوى البقاء في لبنان، وعما اذا كان هذا الوطن هو فعلاً وطن لابنائه، كل ابنائه، ام ان فريقا منهم غير مرغوب فيهم بل مرغوب في تهشيلهم؟
نعم، بكل بساطة وصراحة، ان ما نعيشه اليوم هو اخطر بكثير مما عشناه عهد الحرب، ولا يمكن ان يحل باساليب سطحية من نوع غسيل قلوب كاذب بين الرؤساء او على اساس اتفاق او توافق على تخطي القوانين لمآرب سياسية، مثلا، ثم التذكير بضرورة تطبيق القوانين ساعة يسقط الاتفاق والتوافق ويتعكر من جديد دم القلوب! لقد اصبحت الدولة والحكومة دولة نكايات وحكومة نكايات، وبات كل وزير فاتحا دكانا وزاريا على حسابه او حساب “معلمه”.

ولا يمكن ان نقول ان هذا الوزير او هذا الرئيس تجاوز وحده القانون، فكلهم تجاوزوا القوانين وكلهم طعنوا الدستور نصا وروحا! لقد اصبحت هذه الجمهورية جمهورية “التمريك” و”التنكيل” ولا يمكن ان يستمر هذا النهج في ما تبقى من عمر الحكم كما هو، لأنه سيؤدي لا الى سقوط الحكم بل الى سقوط الوطن. ان ما حصل الاسبوع الماضي بعد مسلسل “نيو تي في” هو الاعتراف الواضح والفاضح بأن هذه القضية كانت أولاً سياسية وان قضية “ام. تي. في” كانت وما زالت سياسية لا قضائية قانونية. كما ان ما حصل على المستوى الامني اكد وما زال يؤكد ان الانصهار الوطني لا يمكن ان ينجز الا عبر خلق اجواء سياسية طبيعية مبنية على الثقة والاعتراف المتبادل.
وهذا الانصهار، ونقولها بكل صراحة ومن باب تمسكنا به، بدأ يُهدد بالتلاشي داخل المجتمع. وفي هذا السياق نقول ان بيان المطارنة الاخير كان على حق عندما وجه انتقادات الى قانون خدمة العلم، ومن المضحك الظن ان خدمة العلم هي التي تؤمن وحدها الانصهار الوطني، فالجيش مكوّن من ابناء المجتمع اللبناني وليس مستوردا من الخارج، واذا كان المجتمع مصابا بمرض ما ينتقل هذا المرض الى الجيش تماما كما ينتقل الى كل مؤسسات الدولة.
لذلك مطلوب اليوم تصحيح المجتمع انطلاقا من تصحيح الاداء السياسي الذي يعتمده الحكم، كما ان المطلوب تصحيح كل خلل على صعيد القوانين وخصوصا في حقل الاعلام وفي موضوع التجنيد الاجباري. ونتمنى هنا ان لا نسمع من اهل الحكم او حلفائهم من خارجه اي رد سطحي على بيان المطارنة من نوع القول ان رجال الدين لا علاقة لهم بالسياسة ومرفوض التعاطي معهم - وهنا لا بد أن ننوه بكلام نائب رئيس الحكومة عصام فارس حيال بكركي والبطريرك صفير، والمختلف تماماً عن الأبواق الهادفة الى خربطة العلاقة مع بكركي - علماً أن القول أن لا علاقة لرجال الدين بالسياسة ورفض التعاطي معهم، لم يطبقه اهل الحكم في السابق يوم كان مطلوبا غطاء بكركي لاتفاق الطائف، لا بل لا يطبق هذا الكلام اليوم بالذات عندما نرى كيف يعامل رئيس الجمهورية واهل الحكم الامين العام ل”حزب الله” السيّد حسن نصرالله.
اليس السيد نصرالله رجل دين محترماً؟ فعيب وألف عيب ان تعتمد سياسة المكيالين في التعامل مع رجال الدين زمن افلاس رجال السياسة. … الا اذا كانت “مشكلة” البطريرك صفير وربما “مشكلة” المطران عوده اللذين يعبّران عن مشاعر المواطنين انهما رجلا دين بلا سلاح، بلا ميليشيا!!! لن نطيل في هذا الموضوع على امل ان يعود الحوار بين بكركي وأهل الحكم، مع العلم ان الحوار حتى داخل اهل الحكم اصبح شبه مقطوع اليوم.
والمضحك هو عندما نسمع بعضهم يقول، وأعني هنا خصوصا الرئيس الحريري، انه ابتداء من اليوم سيطبّق القانون ليُعتمد مع الدستور أساساً للعلاقة بين اهل الحكم… فبربكم قولوا لنا في مقابل اي ثمن وافقتم في الماضي ان يُطعن القانون ولا يُحترم الدستور؟ ألم يكن هذا الموقف في ذاته جريمة بحق الوطن؟ يا له مستوى اوصلنا اليه اهل الحكم اليوم! انه ادنى مستوى سياسي عاشه لبنان منذ زمن طويل! بالامس وصف صديق لي هذه الحكومة بأنها “عصفورية”، وبأن اهل الحكم غارقون في بئر من النكايات والاحقاد والمزايدات والتحريض… ترى هل يمكن ان نقبل بأن تنتقل عدوى الحكومة الى المجتمع ليصبح لبنان بكامله عصفورية؟ لا وألف لا، فلقد حان الوقت لا للقيام بغسل قلوب جديد، بل للقيام بحفلة غسيل شاملة بدءاً بالحكومة التي تعاملت بسذاجة واسفاف مع القضايا المصيرية متناسية ان القضية تعني مصير الوطن وليس تعيين حاجب لهذا الزعيم او ذاك، ووصولاً الى داخل كل المؤسسات من اجل تنظيف رواسب هذا الاداء السياسي الفاشل والفاسد الذي طاول كل القطاعات في كل المؤسسات وبات يهدد الامن الاجتماعي ومصير الوطن!
نبض