كنز طبيعي وثقافي... محمية جبل موسى في كسروان مكان مثالي للمغامرة والاستكشاف

وسط جبال كسروان الشاهقة، تمتد محمية جبل موسى كلوحة طبيعية ساحرة، تغمر زوارها بهدوء الغابات وعذوبة النسيم. بتضاريسها المتنوعة ومناظرها الخلابة تُشكّل وجهة مثالية لهواة رياضة المشي والسباحة، ومحبي الاستكشاف، والباحثين عن لحظات من السكون والجمال في حضن الطبيعة اللبنانية.
تُعتبر محمية جبل موسى في قضاء كسروان واحدة من أبرز المحميات الطبيعية في لبنان، وهي تقع ضمن منطقة حرجية جبلية تمتد على أكثر من 6.000 هكتار، وتعلو ما بين 350 و1700 متر عن سطح البحر. صنّفت هذه المحمية كمحيط حيوي من قبل منظمة اليونسكو منذ عام 2009.
يقول مدير الاتصالات في محمية جبل موسى، مارك عطالله، لـ"النهار" إن لمحمية جبل موسى 4 مداخل، وفي المحمية 15 مساراً للمشي، وتضم 7 ضيع، وهي يحشوش وشوّان والعبره وغبالة ونهر الذهب والمشاتي وقمهز.
وأضاف عطالله لـ"النهار": "يمكن للزوار أن يمارسوا نشاطات عديدة أهمها رياضة المشي أو الهايكينغ، كما يمكنهم تناول الغداء في بيوت ضيافة موجودة في الضيع. ويمكنهم أن يقوموا بنشاطات ثقافية كمشاهدة زجل لأدونيس وعشتروت وتعلم الدبكة ومشاهدة طريقة صنع الكركة".
وأكد أن "ما يميز المحمية عن بقية المحميات هو أن الجميع يمكنه ممارسة المشي؛ فالمتسلقون المحترفون يمكنهم التمتع بالمسارات الصعبة والوعرة والمشي لأكثر من 10 ساعات، فيما يمكن للزائر غير المحترف ممارسة رياضة المشي للتسلية واكتشاف الطبيعة. وتبقى السباحة خياراً أساسياً للزوار في رحاب بحيرة شوان الجميلة والنقيّة".
وبحيرة شوان عبارة عن أيقونة جمال طبيعية، حيث يقصدها العالم من جميع أنحاء لبنان والاغتراب للتمتع بطبيعتها الخلابة ومياهها النقية.
إضافة إلى جماله الطبيعي، يضم جبل موسى تنوعًا بيولوجيًا غنيًا. وتشتهر المحمية بالغابات، وتُعدّ ملاذًا للطيور المهاجرة، مما يجعلها وجهة مفضّلة لمحبي الطبيعة. كذلك، يتمتع جبل موسى بقيمة ثقافية وتاريخية، إذ يحتوي على آثار ونقوش صخرية تعود إلى العصور الرومانية، إضافة إلى أديرة وممرات قديمة تُشير إلى تاريخ طويل من التفاعل بين الإنسان والطبيعة.
ويقول مدير السياحة البيئية في محمية جبل موسى إيلي خليل لـ"النهار": "يتميز جبل موسى بتنوع بيولوجي كبير... حيث هناك نحو 727 نوعاً من النباتات والأزهار، من ضمنها 6 أنواع موجودة فقط في الجبل، ولا نجدها في أي مكان آخر في العالم. يوجد أيضاً 20 نوعاً من الحيوانات البرية، ونحو 33 نوعاً من الأشجار".
وتابع: "ما يميز جبل موسى، بالإضافة إلى التنوع، هو كمية الآثار أو الإرث الثقافي الغنيّ، الذي يعود أقدمه إلى العصر الحجريّ أو عصور ما قبل التاريخ".
وأفاد خليل بأنه عُثر على "حجارة صوّانية في منطقة عالية جداً في الجبل، استعملها الإنسان في العصر الحجري للصيد وإشعال النار، مروراً بالحقبة الرومانية التي تكثر آثارها في الجبل، ومن ضمنها الدرج الروماني؛ وهو عبارة عن حوالي كيلومتر ونصف من الأدراج الرومانية التي لا تزال على شكلها. وهي كانت جزءاً من طريق أطول بكثير كانت تربط ساحل لبنان ببعلبك".
وأضاف: "قبل العصر الروماني، استطعنا أن نجد من خلال الأبحاث آثاراً يعود تاريخها إلى العصر البرونزي الوسيط، (1,500 إلى 2,000 سنة قبل المسيح)، وكان الكنعانيون يعيشون خلال تلك الفترة في المنطقة".
وقال خليل لـ"النهار": "بعد العصور الرومانية، هناك الكثير من الآثار التي تعود إلى الحقبة العثمانية أيضاً، وأهمها البيوت القديمة الموجودة بوفرة في الجبل. ويعود تاريخها إلى 250 سنة، واستمرّت مأهولة حتى منتصف القرن العشرين".
إن محمية جبل موسى ليست فقط مساحة خضراء، بل هي شهادة حيّة على غنى لبنان الطبيعي وتنوعه الثقافي، وتُعدّ وجهة مثاليّة للهرب من صخب الحياة اليومية والعودة إلى أحضان الطبيعة. تتحوّل كل خطوة على دروب محمية جبل موسى إلى لحظة تأمل واكتشاف. هي أكثر من وجهة سياحية، بل دعوة مفتوحة للتمتع بسحر الطبيعة، حيث الصفاء والنقاء. لمن يبحث عن تجربة غنية بالرياضة والجمال، يبقى جبل موسى الخيار الأمثل على مدار الفصول.