غابات وأحراج لبنان: عالم من التنوّع البيولوجي

د. جورج متري
أستاذ العلوم البيئية ومدير برنامج الأراضي والموارد الطبيعية،
معهد الدراسات البيئية، جامعة البلمند
تقع غابات لبنان وأحراجه على شرق البحر الأبيض المتوسط، وتُعدّ كنزاً غنياً بالتنوّع البيولوجي، سواء المُكتشَف منه أو الذي لا يزال ينتظر الاكتشاف. وتشغل هذه الأراضي الطبيعية في لبنان ما لا يتجاوز 0.0005% من مساحة اليابسة في العالم، ورغم هذا الحجم الصغير، فهي تؤوي أكثر من 1% من الأنواع النباتية الموثقة عالمياً، وأكثر من 2% من أنواع الزواحف والطيور والثدييات.
ويتميز لبنان بمناخ متوسطي وبتنوع غني من المواطن البيئية، مثل الجزر، والسواحل، والأنهار، والجبال التي يصل ارتفاعها إلى 3,088 متراً فوق سطح البحر. وتضم أراضي لبنان الطبيعية أكثر من 2,500 نوع من النباتات البرية، حوالي 8% منها مستوطنة على نطاق واسع في لبنان وسوريا وفلسطين، وقرابة 3% منها مستوطنة حصراً في لبنان.
ويمتاز لبنان بإحدى أعلى كثافات التنوّع النباتي في حوض البحر المتوسط، وهو من أكثر المناطق تنوّعاً بيولوجياً في العالم. وتستضيف منحدرات جبل لبنان الغربية أنواعاً شجرية ذات أهمية جغرافية حيوية على الحدود الجنوبية لموائلها، مثل شجر الأرز (Cedrus libani) في محميّة الشوف، والشوح الكيليكي (Abies cilicica) في محميّة حرج إهدن، والمران الزهري (Ostrya carpinifolia) في محميّة جبل موسى. ونسبة الأنواع النباتية لكل كيلومتر مربع في لبنان مرتفعة للغاية (0.25 نوع/كم²)، مقارنة بدول مثل جنوب أفريقيا (0.0081 نوع/كم²) كما أن تنوعه الحيواني (0.028 نوع/كم²) يُعد مرتفعاً مقارنة بمساحته، وأعلى من دول مجاورة.
لكن الأكثر إثارةً هو ما لم يُكتشَف بعد. فما زال لبنان غير مُستكشَف بالكامل من الناحية البيولوجية، خاصة في الغابات الجبلية النائية وأودية الأنهار العميقة. لا تزال أنواع جديدة من النباتات والفطريات تُكتشف، ويعتقد الباحثون أن هناك العديد من الأنواع الميكروبية والحشرات وحتى الثدييات الصغيرة التي لم تُوثّق بعد، وتعيش مختبئة في الظلال، أو تحت التربة، أو بين الصخور. هذا الغنى البيولوجي يجعل من الغابات اللبنانية وجهة مثالية للسياحة البيئية، إذ توفّر للمتنزّهين وعشاق الطبيعة ومراقبي الطيور والمصوّرين فرصة فريدة لاكتشاف التراث الطبيعي لشرق المتوسط. وللسياحة البيئية المسؤولة دور محوري في الحفاظ على الطبيعة، من خلال خلق حوافز اقتصادية للمجتمعات المحلية لحماية هذه النظم البيئية. ومع ذلك، تبقى غابات لبنان هشّة. فالتمدّد العمراني، وحرائق الغابات، والقطع الجائر، وتغيّر المناخ، كلها تهدّد هذا الكنز الطبيعي.
إن الحفاظ على تنوّع الغابات البيولوجي ليس فقط ضرورة لتحقيق التوازن البيئي، بل أيضاً لضمان أن تنعم الأجيال القادمة، من اللبنانيين والزوّار، بروعة هذا الجمال البرّي غير المروّض. سواء كنت تتنزّه تحت أرزات تعود إلى مئات السنين أو تستمع لنداء بومة خجولة عند الغسق، فإن غابات لبنان تهمس بأسرار عالم حيّ نابض، عتيق في جذوره، وغنيّ بالاكتشافات القادمة.