لبنة الجرّة أو "الأمبريز"... صناعة ريفيّة بعلبكيّة بامتياز!
في قلب مدينة بعلبك، حيث الأصالة تمتزج بعبق التاريخ، زارت "النهار" مزارع "الشال" لاكتشاف سرّ صناعة "لبنة الجرّة" الشهيرة والمعروفة بلبنة الأمبريز، التي تُعدّ منتجاً يعكس الإرث الريفي لأهل المنطقة.

تُخبرنا أم علي الشل، صاحبة المحل التي استقبلتنا بحفاوة، عن كيفية صناعة لبنة الأمبريز. وقالت إن هذه اللبنة تُحضّر من حليب البقر الطازج أو حليب الغنم الذي يرعى في الجرد، وتُصفّى بعناية داخل أكياس من القماش الأبيض القطني، وتُعلّق غالباً في الهواء حتى تتخلّص من مائها الزائد، ثم توضع في جرار الفخار.

ما يميّز "لبنة الأمبريز" هو قوامها المتماسك وطعمها القويّ والمخمّر قليلًا، الذي يُذكّر بالجبنة البيضاء القديمة، لكنها أنعم وأغنى. وحليبها لا يشبه أي حليب آخر، فهو من ماعز لا تأكل العلف ولا تشرب سوى من ينابيع الجرد، لذلك تكون نكهته مميزة جداً ومختلفة.
وتوضح أم علي أن الحليب يُغلى جيداً ثم يترك حتى يبرد قليلاً قبل صبّه في الجرة الفخارية التي تحافظ على الحليب لمدة يومين تقريباً، وبعد ذلك تتم عملية "التقشيط" عبر إضافة الملح والحليب الجديد الطازج إليه، وتُكرّر هذه العملية طيلة فترة الصيف.
تبدأ أم علي عادة بصناعة لبنة الأمبريز مع بداية الصيف، وعند حلول شهر تشرين، تكون الجرّة امتلأت بالكامل وتوضع اللبنة بعد ذلك في أوعية ضاغطة من الزجاج لتستخدم طيلة فصل الشتاء.

وتقول: "هذه الوصفة توارثناها عن أجدادنا وجداتنا. هنا في بعلبك هذا تقليد قديم جداً، ولا يعرف الجميع كيف يحضّرونها. معظم أهالي بعلبك فقط هم الذين يتقنون صناعتها. لبنة الجرة هنا تختلف تماماً عنها في أيّ مكان آخر. حتى إن الناس يأتون من مختلف المناطق ومن خارج لبنان أيضاً ليشتروا منها".
يفضّل أهالي بعلبك تناول الأمبريز مع خبز التنور أو خبز الصاج لأن طعمها يكون مائلاً إلى الحوامض.
وفي ختام جولتنا، عرضت علينا تذوّق الأمبريز الطازج الذي استخرجته لتوّها من الجرة، فكان طعمه غنياً، حامضاً قليلاً، يشهد على نقاء الحليب وجودة الصنعة. وهكذا بقيت بعلبك تحافظ على إرثها العريق الذي لا يعرفه إلا أهلها، وينقله جيلٌ إلى جيل، مع اعتزاز بالنساء اللواتي يحوّلن الحليب إلى طيبٍ يُقدَّم بكل فخر.
نبض