عيش لبنان 12-08-2025 | 09:56

"بالميرا" جارُ هياكل بعلبك... من هنا عبرت أغاتا كريستي وفيروز وحكايا العصر الذهبي

رحلة الصمود لم تكل فقط في الحرب الأخيرة، بل الفندق شاهد حي على مرور الزمن والحروب وتحوّل الحضارات
"بالميرا" جارُ هياكل بعلبك... من هنا عبرت أغاتا كريستي وفيروز وحكايا العصر الذهبي
فندق بالميرا.
Smaller Bigger

بين العصرَين الذهبي والحديث، يقع فندق بالميرا في مدينة بعلبك. عندما تدخل الفندق الذي أنشأ منذ العام 1860، لا يسعك إلا أن تنبهر بجماله الذي يرمز إلى العصر الروماني الفاخر بكل ما فيه من تفاصيل.

 

 

أول ما تراه عيناك هو الحجر الفخم القديم، ثم أرضيات السيراميك والأثاث التقليدي البرجوازي، مزينة بمصابيح جلد النعامة والسجاد الشرقي، إلا أن قصّة الأناقة هذه لم تبق على حالها بعد أن تضرر الفندق كثيراً إثر الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، ما يغيّر عنوان بالميرا إلى "قصة بين الفخامة والصمود".

 

"عيش لبنان": جواز سفر إلى روح بلد يلتقي فيها التاريخ بالأفق
The tourism edition by Annahar
Enter
keywords

 

فندق بالميرا (النهار)
فندق بالميرا (النهار)

 

رحلة الصمود لم تكل فقط في الحرب الأخيرة، بل الفندق شاهد حي على مرور الزمن والحروب وتحوّل الحضارات، ورغم ذلك ظلّ الفندق بتفاصيله القديمة التي تختلط ببعض التغيرات.

 

 

بالميرا ليس فندقاً عادياً، بل هو أحد أقدم الفنادق في الشرق، يقول حسن الحسيني ابن صاحب الفندق لـ"النهار". بُني على يد يوناني يُدعى بيريكليس ميميكاكيس، ليكون محطة للرحّالة الأوروبيين المتوجهين إلى القدس عبر بعلبك. ومنذ بداياته، لم يكن "بالميرا" مجرد مكان للإقامة، بل نقطة تَقاطع للثقافات، والطبقات البرجوازية التي كانت تسافر على ظهور الخيل والقوافل. وقد احتفظ الفندق بسجلّ أسماء ضيوفه منذ تأسيسه، سجلات تكاد تشكّل متحفاً بحد ذاتها، تحوي توقيعات ملوك، فنانين، كتّاب، ومفكرين مرّوا من هنا وتركوا أثراً في المكان.

 

 

في إحدى الغرف، أقامت أغاتا كريستي وكتبت جزءاً من أعمالها. وفي أخرى نامت فيروز أثناء مشاركتها في مهرجانات بعلبك. الشاعر طلال حيدر، المخرج الفرنسي جون كوكتو، الجنرال ديغول، جبران تويني الجد، نينا سيمون، صباح، نصري شمس الدين، مايلز دايفس، ولويس آرمسترونغ... جميعهم زاروا "بالميرا" وأقاموا فيه وحدّقوا في ذات النوافذ المطلة على هياكل بعلبك.

 

 

جرى ترميم الفندق مرتين في تاريخه، عامي 1924 و1967، دون المساس بروحه الأصلية. ويؤكد الحسيني أن حين اشترى والده الفندق في الثمانينات، حرص على ترميمه مع الحفاظ على طابعه التراثي، وأضاف إليه مجموعة من أعمال الفنان الفرنسي جون كوكتو، الذي أغرم ببعلبك وظلّ يزورها على مدى 13 سنة متتالية. واللوحات لا تزال تعرض حتى اليوم داخل أروقته، كشاهد على أهمية المدينة الثقافية والفنية.

في الحقبة الذهبية، كان الفندق يضج بالحياة. ويضيف الحسيني أنه قبل العام 2006، كان الفندق يستقبل نحو 300 شخص يومياً. لكنّ الحرب وما تلاها من تصنيف مدينة بعلبك ضمن "المنطقة الحمراء"، قطعت هذا الامتداد فجأة. فتوقّف تدفّق السياح وانقطع صوت الموسيقى من الممرات.

 

 

ورغم الأضرار التي لحقت به من الحرب، لا تزال الغرف تحتفظ بذاكرتها. في الغرفة رقم 30، أقام الجنرال ديغول. وفي العام 1920، بعد اتفاقية سايكس بيكو، اجتمع الجنرال غورو وجورج بيكو في بالميرا، ووقّعا في دفاتر الفندق ما يعدّ أول اعتراف فرنسي بأن بعلبك جزء من لبنان، في لحظة باتت رمزاً لتاريخ لبنان الكبير.

اليوم، "بالميرا" ليس فندقاً فقط، بل قطعة حيّة من التاريخ. مبناه المكوّن من طبقتين و32 غرفة، ليس مجرد حجر وزجاج، بل أرشيف بشري وشعري وثقافي. كل غرفة فيه تروي قصة، وكل زاوية تختزن لحظة أو ذكرى، سواء لشاعر لبناني، أو لعازف جاز أميركي، أو لزائر عادي شعر أنه في حضرة التاريخ.

 

 

رغم الدمار الذي لحق الفندق بسبب الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، إلا أن "بالميرا" سيبقى دائماً نبض الحياة في بعلبك وأساس تاريخها ومستقبلها.


الأكثر قراءة

العالم العربي 9/15/2025 8:43:00 PM
 خلف الحبتور: في موقف يعكس غطرسة لا حدود لها، يخرج رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ليأمر سكان غزة بإخلاء مدينتهم، وكأنها ملك له يوزع أهلها كما يشاء
المشرق-العربي 9/12/2025 12:25:00 PM
إقفال منتجع "إكس بيتش" في منطقة وادي قنديل في محافظة اللاذقية.
شمال إفريقيا 9/15/2025 11:56:00 AM
محاكمة سيدة متهمة بقتل زوجها وأطفاله الستة في قرية دلجا التابعة لمركز ديرمواس بمحافظة المنيا
لبنان 9/14/2025 2:53:00 PM
 تغيير مسار طائرة تابعة لشركة طيران الشرق الأوسط المتجهة من بيروت إلى مطار هيثرو في لندن بسبب عارض صحي أصاب أحد الأطفال