"بيت طراد"... الفخامة والبساطة في ظلال عريشة عنب تحرسها الذاكرة

في قلب كسروان الفتوح، تحديداً في بلدة الكفور، يقف "بيت طراد" شاهداً على أكثر من قرنين من التاريخ. مبنى تتقاطع فيه القصص العائلية مع حكايات الحجر، ويجمع في مساحاته روح الضيافة اللبنانية الأصيلة.
كان هذا البيت يُعرف قديماً بـ"بيت دحداح" وسكنه وجهاء من المنطقة. يشير تاريخه إلى أن أولى أبنيته شُيّدت بين عامي 1760 و1780، وتلاحقت عليه الإضافات والتوسيعات على مر العقود. يقولون إن جزءاً منه ربما كان ديراً للراهبات قديماً، نظراً إلى وجود تسع غرف متلاصقة بأسلوب يوحي بذلك، وإن كان الأمر غير مؤكّد.
مع مرور الوقت، وخصوصاً في أواخر القرن التاسع عشر، توسع البيت أكثر؛ صالة شُيّدت عام 1874، وأخرى عام 1888، وأضيف إليه مسبح في عام 2018 ليكمل قصة التحديث.
ورثت سارة طراد هذا المكان العابق بالذكريات عن والديها.
الأب اشتراه في العام 1984، ليكون ملاذ العائلة خلال الصيفيات، ثم مع وفاة والدتها في 2013 خافت أن ينهار البيت ويذوي. تقول سارة إن البيوت تموت إن تُركت. هكذا اتخذت قرارها: أن تنقذ البيت عبر إحيائه، لا فقط ترميمه.
أطلقت المشروع عام 2015، وافتتحته كبيت ضيافة في 2018، بعد أن جمعت حولها فريقاً من الأصدقاء المتخصصين، من مهندس الترميم إلى المصمّم الداخلي، وحتى من ساعدها في ابتكار علامة البيت التجارية. والهدف كان واضحاً: تحويله إلى بيت الأحلام، مع الحفاظ على روحه.
يضم "بيت طراد" اليوم 11 غرفة ضيافة، تتنوّع تفاصيلها ولا تتشابه اثنتان منها، بالإضافة إلى مسبح وحديقة واسعة تتوزع فيها الأرائك والزوايا الهادئة. في كل غرفة، تلتقي قطع الأثاث الأصلية مع لمسات التجديد، في توازنٍ يجسّد أناقة الماضي ودفء الحاضر.
هنا، لا يقدم المكان تجربة فندقية تقليدية، بل يشبه حقاً أن تنزل في بيت صديق. الإفطار والغداء والعشاء محضّرة بأسلوب البيت اللبناني؛ لا قوائم طعام محددة، بل مائدة تعكس ما يتوافر في المطبخ وما تشتهيه روح الضيافة. بوسع الزائر أن يأكل ويشرب كما يشاء، كأنه بين أهله، من دون أسئلة أو حسابات دقيقة.
ويتعدّى "بيت طراد" فكرة الضيافة المادية إلى تقديم تجربة ثقافية. الأواني النحاسية، السجّاد، الفوانيس، وحتى الكتب المكدّسة على الرفوف، جميعها تحكي عن تاريخ شرقي عابر للحدود من لبنان إلى الشام ومصر. كذلك تحيط به حديقة مزروعة بأشجار لبنانية الطابع: زيتون، سنديان، خوخ، وأرزات ترمز إلى فخر العائلة بهذا التراث.
قد لا يكون "بيت طراد" مكاناً لحفلات الزفاف الصاخبة، لكنه ملاذ للعائلات والأصدقاء القادمين من مختلف أنحاء العالم. يجتمعون هنا ليعيشوا لحظات بسيطة، حول طاولة واحدة، تحت عريشة عنب تحرسها الذاكرة. حتى الأطفال يجدون هنا مساحة للحرية، يركضون ويقطفون الفاكهة كما لو كانوا في بيت جدّهم.
باختصار، هو بيت يحتضن زوّاره ويصون ذكرياتهم، تماماً كما صانت سارة طراد ذكرى والدتها فيه، لتجعله مرآة تعكس ثقافة لبنان وجمال الضيافة فيه.