باربرا مسعد... "المونة اللبنانية تتعلّق بالصمود والهوية"

أحتفظ خارج نافذتي المطلة على بيروت بنبتة حبق خضراء جداً. زرعتها أمي بيديها، أخاف عليها جداً وأحبّها أكثر، فهي ما سيبقى بعد "عمر طويل"، رائحة حيّة من "ست الحبايب".
بالنسبة إلى بعضهم، هي مجرّد "زرّيعة" كما نسمّيها نحن اللبنانيين، وإلى البعض الآخر رائحة عطرية جميلة، أو مكوّن شهي يُضاف إلى المأكولات، لكنها بالنسبة إلى باربرا مسعد، الكاتبة والباحثة اللبنانية الأميركية في مجال الطبخ، مثل "زريعة أمي"، هي جزء من الهوية، من قصص صمود من الماضي، وحياة في الحاضر، وأمل للمستقبل.
تتحدث مسعد لـ"النهار" بشهية عن تفاصيل كثيرة تتعلق بـ"المطبخ اللبناني"، ابتداءً من المونة قديماً، إلى تطور المأكولات في يومنا هذا. تشير إلى أن كلمة "مونة" مشتقة من الكلمة العربية "مَنَ"، أي التخزين، موضحةً: "في القرى النائية في كل أنحاء لبنان، كان يتم تحضيرها خلال موسم الحصاد، موسم الوفرة. كانت تُحوّل الفاكهة والخضراوات والأعشاب والنباتات وكل أنواع المنتجات الحيوانية إلى أغذية يمكن حفظها بأمان لفترة زمنية معينة، عادةً ما تكون سنة تقويمية".
وتعدّد مسعد أنواع المونة كأنها تصف البرطمانات الملوّنة في نملية: المربى والدبس والشراب المكثّف، والكبيس المخلّل، والزيت والزيتون، والفاكهة المجففة، والزهور البرية والأعشاب العطرية، والحبوب والبذور، والمكسرات، ومنتجات القمح، ومنتجات الألبان، واللحوم على غرار القاورما.
وتلفت صاحبة العديد من كتب الطبخ (أحدثها "بيروت إلى الأبد") إلى أن المطبخ اللبناني، ومن ضمنه المونة "لا يقتصر على الوصفات، بل يتعلق بالذاكرة والصمود والهوية.
نشأت المونة نتيجة الحاجة خلال الحكم العثماني، عندما دُفعت الضرائب الباهظة وساد عدم الاستقرار، اضطرت الأسر الريفية إلى الاعتماد على الحفظ للنجاة من فصول الشتاء القاسية وانعدام الأمن السياسي. واستمر الأمر مع كل الحروب والأزمات التي عانينا منها على مر السنين. وكذلك بسبب الأحوال الجوية في القرى النائية".
ولا تغفل مسعد التي وثّقت الكثير من أجزاء المطبخ اللبناني كتابةً وتصويراً، عن أنه يتألف من بوتقةٍ من المأكولات الإقليمية وتأثيرات الغزاة عبر التاريخ، وطرق التوابل العربية، وتأثير البحر الأبيض المتوسط وتجارته، فترى أن ما يميّزه هو "توازنه الحيوي بين النكهات، وجذوره الثقافية العميقة، وكيف يعكس جغرافية لبنان المتنوعة وتاريخه وكرم ضيافته"، مع إشارتها إلى أهمية المازة: "فلسفة الضيافة، والمحادثة، والودّ (...) الطعام ثقافة، وأفضل طريقة للتعمق في ثقافة مشاركة الطعام مع السكان المحليين".
ولا تخفي مسعد خوفها من اندثار مأكولات وعناصر من المطبخ اللبناني مستقبلاً، على غرار ما حصل فعلاً في الماضي وفق ما تؤكد: "لهذا السبب أعمل على إعداد هذه الكتب، لإبقائها حيةً للأجيال المقبلة، لمواصلة طهو أطباقنا التقليدية".