اكتشفوا حمّانا سيراً على الأقدام... من لامارتين إلى 2025 وبعد
"ما في أحلى من لبنان". هذا جواب عن سؤال يتردّد مع كل كارثة أو أزمة، فبلد الـ10452 كلم² خنقته المشاكل وجعلت من أيّام استقراره حدثاً استثنائياً. وعلى قاعدة "الله ما بيترك حدا"، لم يترك لبنان وجعَل منه مثالاً للجمال. حفظت صفحات التاريخ ما مرّ به فكانت بعلبك وصيدا وصور وجبيل وعنجر ووادي قاديشا...
بلدة تحتضنها محافظة جبل لبنان، تبعد عن بيروت نحو 30 كلم، لم تكن تدري أن زائرها عام 1833 سيبقى حيّاً بين بيوتها وأزقّتها. وبين من يرجع اسمها إلى إله الشمس الفينيقي "حمّون" أو "حمّان" مروراً بشتائها البارد وصيفها المعتدل، أعطت حمّانا الكاتب والشاعر الفرنسي ألفونس دو لامارتين "تنفّساً طبيعياً" فكانت الملجأ الروحي والأدبي.

في حديث لـ"النهار"، أوضحت أستاذة التاريخ جينان أبي خليل أن هذا الاسم أكّده وجود آثار فينيقية في البلدة التي كانت محطّة تربط جبل لبنان بالبقاع وسوريا.
وادي لامارتين وصخرته والقصر ثوابت لم تتغيّر من الزيارة إلى اليوم. حمّانا، البلدة الجبلية، وجهة سياحية استثنائية. فصل من التاريخ نابض فيها. بين من لم يسمع بها ومن لم يكتشفها، "هي من أعمال الله". هكذا خلّدها الكاتب الفرنسي...

قصّة لامارتين
وثّق لامارتين (1790–1869) لبنان في رحلته الطويلة إلى الشرق في كتابه "Voyage en Orient" أو "رحلة إلى الشرق" عام 1835. وصل إلى جبل لبنان في شهر آذار/مارس وتوقّف في عدد من بلداته.
في حمّانا، حلّ لامارتين ضيفاً في قصر المقدّمين من آل مزهر الذي كان مقرّاً للوجيه المقدّم صارم الدين مزهر آنذاك. وتؤكّد أبي خليل وجود لوحة تذكارية تخلّد الزيارة وضعت عام 1941.

لم تغب محطّة حمانا عن كتابه، إذ وثّقها بوصفه للقصر الحمّاني من الطراز القوطي، فقال: "قصر شيخ حمّانا يتفوّق في الأناقة والنعمة والسمو على كل ما رأيته من هذا النوع… ولا يمكن مقارنته إلّا بأحد أروع قصورنا القوطية في العصور الوسطى".
من "ساحة الميدان"، تصل إلى قصر آل مزهر من قلب الأزقّة القديمة وتقودك إلى باحته الخارجية الكبيرة فتستقبلك الأشجار والأزهار.

حاضنة الوجع
رسم لامارتين البلدة الهادئة وواديها، "من أجمل المناظر التي قدّمت لعين الإنسان لتتأمّلها في أعمال الله... تتجلّى بين الأشجار الأنيقة أشعة نور الصباح وهي تتراقص وتتلألأ…"، فكان هواؤها البلسم لتعبِه. حاول خلال رحلته تضميد جرح فقدان ابنته الوحيدة جوليا التي خطفها مرض السل. وقال في كتابه: "لقد رأيت نابولي... ولكن وادي حمّانا يمحو كل تلك الذكريات. ضخامة الصخور، وانفتاح الأفق، ورقّة الأشجار... كل شيء في هذا المكان يحرّك الروح ويغمرها بجلال أعمال الله."
فيها، أفرغ لامارتين حزنه مخاطباً جوليا: "لو كنت سأدفن قلبي في مكان ما، فسيكون هنا، بين هذه الصخور وتحت ظلال هذه الأشجار، بقرب هذه الجداول... لأن الطبيعة وحدها قادرة على تهدئة الألم الناتج من فقدان من نحبّ."
قصّة لامارتين واحدة من قصص حمّانا المشوّقة. بيوتها القديمة، قصورها، شوارعها، كنائسها ومسجدها، مدارسها، أرزها وكرَزها، وكرم أهلها. وجهة سياحية بامتياز تعكس صورة لبنان، تنوّعه وتاريخه. وتقول أبي خليل في هذا السياق: "كل خطوة في حمّانا تقودك إلى التاريخ"، مضيفة: "رُسمت حمّانا بطوائفها، فكانت لوحة بألوان متناسقة".

لمحبّي الرياضة، لا بد من اكتشاف هذه البلدة الريفية سيراً على الأقدام في واديها وامتداده إلى القرى المجاورة. تسيرون "على خطى لامارتين"، تتفقّدون صخرته بين بلدتي حمّانا وفالوغا، حيث كانت أفكاره تتدفق بجانب شلال الشاغور. ولمحبّي الثقافة أيضاً، فحمّانا تحتضن حركة ثقافية مميّزة، وشكّلت مرحلة لامارتين حتى اليوم، وفق أبي خليل، جزءاً من هذه الحركة أغنت أبناء البلدة بالعلم والتاريخ وتعرفّوا من خلالها إلى زائرهم الفرنسي.
لم ينسَ لامارتين لبنان، "هو هذا الجبل الذي يتكلّم فيه الإنسان مع الله، لأنّه أقرب إلى السماء من الأرض". زوروا حمّانا وتعرّفوا إليها لعلّها تكون الدواء والسلام لكثيرين...
نبض