الفخار والإبريق اللبناني... حرفة تروي تراثاً عمره قرون

كان ربيع ضو، صانع الفخار من قرية بشتفين قضاء الشوف، يقصد مشغل الفخار الخاص بأبيه عندما كان صغيراً، لاسيما في أيام العطلة الصيفية، و"انحفرت هذه الزيارات في ذاكرتي" يقول لـ"النهار"، حتى بعد تخرجه في الجامعة بتخصص إدارة الأعمال وتوليه وظيفة مدير مالي في إحدى الشركات لمدة 27 عاماً.
لا تزال صناعة الفخار موجودة في بلدات لبنانية عدة، وتعتبر من المهن المتوارثة المرتبطة بعادات الاستهلاك في القرون الماضية.
كان يصنع الفخار كهواية طيلة هذه السنوات. شاءت الظروف أن يترك ربيع وظيفته بعد انتشار جائحة كورونا وحلول الأزمة الاقتصادية في لبنان ليمتهن صناعة الفخار ويتفرغ لها كلياً. خصّص لها طبقة كاملة في منزله، وصنعها بشغف.
"صناعة الفخار هي حنين الطفولة بالنسبة إليّ وذكرى من والدي، وهي في الوقت نفسه تراث شعرت أنّ من مسؤوليتي الحفاظ عليه، كونه من أقدم الحرف ومهدّد بالانقراض"، بالنسبة إلى ربيع.
ما يميّز الفخار اللبناني، أنّه "حرفة يدوية مئة في المئة، بينما الفخار في دول أخرى تدخل في صناعته الآلات والقوالب. أيضاً، المادة التي يصنع منها الفخار في لبنان هي من تراب لبنان وهي ذات جودة أفضل من غيرها. ويساعد العمل اليدوي على تنويع الأشكال في الفخار بينما الفخار المصنوع في الآلات يأتي بأشكال وأحجام standard . وأشهر ما يميّز الفخار في لبنان، هو إبريق الفخار اللبناني، وهو الذي لا يمكن للآلات صناعته".
يلبّي ربيع طلبات زبائنه بأحجام فخار تصل إلى 50 أو 60 سنتيمتراً. وقد يصنع حوالى 50 أو 60 قطعة كبيرة وبحدود الـ 150 قطعة صغيرة من الفخار يومياً.
أصبح ربيع مقصداً لمحبي الفخار المحليين والأجانب. يأتونه ليتعرفوا إلى الطرق التقليدية لصنع الفخار، لا سيما التقنية الفريدة والخاصة التي تكتنزها هذه الحرفة (تقنية الدولاب). ويذكر ربيع أنّ في بيروت مشاغل فخار لكنّها لا تعتمد هذه التقنية التي يعتمدها هو و"هي الأصعب، وهي أساس الفخار، والحرفيون الذين يعتمدونها قليلون جداً في لبنان".
يتوزع إنتاج ربيع من الفخار بمختلف أشكاله وألوانه، على المطاعم اللبنانية المحلية، متاجر الحرف، المعارض الموسمية، وبعض السوبر ماركات. كما أنّ عودة الناس إلى الطبيعة، وإلى السياحة البيئية، شجّعت على استخدام الفخار، و"أتمنى أن تستمر هذه الحرفة لنحافظ على تراثنا".