مهنة عتيقة تصونها يد امرأة: حكاية نحاس لا يصدأ (فيديو)

في قلب السوق العتيق في طرابلس حيث يمتزج صدى الحرف مع رائحة التاريخ، تجلس فاطمة طرطوسي أمام متجرها الصغير، تحيط بها الأواني النحاسية المنقوشة بدقة لا توصف. المطرقة التي تحملها في يدها وتستخدمها لنقش النقوش ليست مجرد أداة، بل امتداد لذاكرة عمرها أكثر من قرن. هي ليست فقط صانعة نحاس، بل حارسة مهنة توارثتها عن أجدادها.
"عند التسع سنوات قررت البقاء في هذا المصنع مع أهلي"، تقول وهي تمسح العرق عن جبينها وتتابع النقش بحذر شديد. ورثت طرطوسي المهنة عن والدها، الذي ورثها بدوره عن والده. في عائلتها، لم يكن النحاس حرفةً للرجال فحسب، بل كان إرثاً تتناقله الأيادي المؤمنة بأهميته، نساءً ورجالاً على حدّ سواء.
وسط عالم يتخلى شيئاً فشيئاً عن الصناعات اليدوية والصناعات المحلية، رفضت الأخيرة أن تكون المهنة مجرّد ذكرى. تحفر بأناملها الحكايات على الصواني والكؤوس والمباخر وصحون النرجيلة أكثر المنتجات مبيعاً في الآونة الأخيرة.
لم تكن الطريق سهلة. في بيئة يندر فيها أن تمتهن النساء الحِرَف الثقيلة، واجهت انتقادات، لكنها أصرّت. اليوم، يزورها الزوّار من لبنان والخارج، لشراء النحاس المحلي عوضاً عن البضاعة المستوردة المصنعة بماكينات حديثة وبمواد لا علاقة لها بالنحاس.
في شرحها عن المهنة تصر طرطوسي على فكرة أن المهنة التي امتهنتها منذ 40 سنة، كانت ولا تزال هواية بكل ما للكلمة من معنى وتقول: "لم يكن لدى والدي شاباً لكي يرث هذه المهنة، فنحن 4 نساء، عادة الذكر هو من يرث المهن اليدوية العائلية، لكني أصررت على تعلمها وشجعت أخواتي الثلاث فأصبحنا فريق عمل متكاملاً".
وبرغم أنه يعمل مع طرطوسي 5 عمال في معملها "الميني"، تصر في الكثير من الأحيان على العمل بيدها، وهذا ما يؤكد أن مهنتها لا تزال مصدر تسلية وإلهام لها.