معوقات تمنع نساء لبنان من الانخراط في الحياة العامة... المبيّض: قوانين الأحوال الشخصية تُوسّع الفجوة بين الجنسين

لبنان 07-03-2025 | 06:24

معوقات تمنع نساء لبنان من الانخراط في الحياة العامة... المبيّض: قوانين الأحوال الشخصية تُوسّع الفجوة بين الجنسين

خسرت لمياء المبيض حقيبة وزارية، وخسرت المرأة اللبنانية معها جولة جديدة من نضالها ضد التمييز والإقصاء الذي لا يزال يمارس بحق النساء حاملات الخيارات المتحرّرة من الموروثات الاجتماعية والسياسية.
معوقات تمنع نساء لبنان من الانخراط في الحياة العامة... المبيّض: قوانين الأحوال الشخصية تُوسّع الفجوة بين الجنسين
لمياء المبيض
Smaller Bigger

بموازاة الزخم الملحوظ على صعيد تعزيز مشاركة المرأة في الشأنين العام والخاص، وتبوّئها مواقع قيادية في السياسة والمال والأعمال على مستوى العالم، فإن موانع سياسية ودينية وحتى اجتماعية لا تزال تقف حاجزاً أمام انخراط المرأة اللبنانية في النشاط الاقتصادي والحياة العامة، وتعرقل وصولها إلى مؤسسات الحكم والقرار في الدولة والمجتمع. 


ورغم وجود بعض الاستثناءات، هذه التحديات لا تفي بحق "نصف المجتمع" في الحصول على الفرص المناسبة، ولا تمنحها التقدير المستحق لما حصلته من علوم عليا، وخبرات مهنية، وقدرات قيادية، يشهد لتميزها القطاعان العام والخاص.

 

ليس بعيداً، وفي الأسابيع القليلة الماضية فقط، يمكننا استرجاع الجدال الذي أثير حول تشكيل حكومة الرئيس نواف سلام، وميله إلى توزير لمياء المبيض بساط، رئيسة معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي ونائبة رئيس لجنة الأمم المتحدة للخدمة العامة. حينها، قوبل هذا التوجه برفض لا بسبب نقص في قدراتها أو خبراتها القيادية، بل لأن خياراتها المستقلّة تتعارض مع توجّهات القيّمين على شؤون طائفتها وشجونها.

 

خسرت لمياء المبيض حقيبة وزارية، وخسرت المرأة اللبنانية معها جولة جديدة من نضالها ضد التمييز والإقصاء الذي لا يزال يمارس بحق النساء حاملات الخيارات المتحرّرة من الموروثات الاجتماعية والسياسية. بيد أن الحماس والتأييد الإعلامي والشعبي الذي صاحب هذه القضية يعكسان حالة وعي مجتمعي وسياسي يمكن البناء عليها. هذا الوعي يمثل فرصة حقيقية لتفكيك العقد والهواجس الموروثة التي تعيق مشاركة المرأة الفاعلة في الحياة العامة، بما يتناسب مع قدراتها الاستثنائية وكفاءتها التي لا جدال فيها. 


أين لبنان من المساواة؟

لبنان بلدٌ ضمن 159 دولة قدّمت تقارير وطنية توثق التقدّم المحرز في تنفيذ 12 مجالاً حيوياً من المجالات التي حدّدتها منصّة عمل بكين (Beijing Platform for Action). وفي إطار الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، سيقدم الأمين العام للأمم المتحدة ملخّصاً يتضمّن تحليلات مستخلصة من تقارير الدول الأعضاء، إلى جانب بيانات عالمية وإقليمية، ليوضح فيها مَن نجح في تحويل الأقوال إلى أفعال ومَن لم يفعل، في جردة حساب تظهر مدى الجديّة والتقاعس في جعل عالمنا أكثر تقدماً وأقل ظلماً...

 

فأين لبنان من هذه الجردة؟ وهل حقق الخطوات المطلوبة لتحقيق التقدم الفعلي في المجالات الأساسية التي تهمّ المرأة والمجتمع؟ يكرس دستور لبنان مبادئ المساواة؛ لكن أين نحن من تطبيق هذا المبدأ؟

 

تؤكّد المبيض أنه بالرغم من التقدّم في مجالات عدة، مثل القانون ذي الرقم 205/2020، الذي يجرم التحرش الجنسيّ، فإن حقوقاً أساسية، وأهمها حق المرأة بمنح جنسيتها لأولادها، لا تزال مهدورة بسبب أوهام غير مسندة إلى وقائع علمية، بل إلى هواجس مزمنة.

 

وتساهم العديد من القوانين، خصوصاً قوانين الأحوال الشخصية المستندة إلى الأصول الدينية، في توسيع الفجوات بين الجنسين، لا سيما في قضايا الميراث والطلاق وحضانة الأطفال. هذه القوانين تشكّل عائقاً أمام المشاركة الاقتصادية للنساء. ففي المذهبين السنيّ والدرزيّ، على سبيل المثال، يرث الذكور ضعف ما ترثه الإناث وفقاً للشرع، بينما في مذاهب أخرى، ورغم المساواة القانونية في الميراث، قد تحرم النساء من هذا الحق بسبب التفسير الفقهي والعادات الموروثة. نتيجة لذلك، تمتلك النساء أصولاً أقلّ، ما يقللّ من فرصهن في الوصول إلى المؤسسات المالية والحصول على قروض مصرفية، بما يحدّ من مشاركتهن في سوق العمل ويقلص فرصهن في ريادة الأعمال.

 

تشير الدراسات إلى وجود تمييز في الأجور، وفقاً لما تظهره إحصاءات إدارة الإحصاء المركزي من فجوة تصل إلى 6.5% بين الموظفين، بينما يحصل الرجال المديرون على 22% أكثر من النساء المديرات. ورغم أن واحدة من كل 4 مديرين في المناصب العليا والمتوسطة هي امرأة، فإن النساء يملكن 10% فقط من الشركات.

 

تعزو المبيض أبرز أسباب تقييد مشاركة النساء الاقتصادية إلى عبء الرعاية، حيث تقضي النساء 12 ساعة أسبوعياً في الأنشطة الرعائية والمنزلية، مقارنة بـ 5 ساعات للرجال. كذلك، فإن قوانين الضمان الاجتماعي لا تزال غير متّسقة مع الاتفاقيات الدولية، وتتضمن تباينات بين الجنسين في التعويضات وغيرها من المنافع. ومثال على ذلك أن إجازة الأمومة التي حدّدت بـ 70 يوماً في عام 2014 لا تزال أقلّ من الحدّ الذي وضعته منظمة العمل الدولية والبالغ 14 أسبوعاً، بينما إجازة الأبوّة لا تتجاوز 3 أيام فقط، بما يشكّل عقبة أمام العديد من النساء لدخول سوق العمل أو الاستمرار في وظائفهن.


تحدّيات سياسية؟

يتمثل التمييز الأبرز في النظام السياسي الذي يخصص المناصب وفقاً للانتماءات المذهبية، والذي يفضّل الرجال ضمناً أو علناً. يعود هذا التمييز برأي المبيّض إلى "جذور ثقافية"، إذ تشير بعض الدراسات إلى أن نحو نصف الرجال والنساء يعتقدون أن الرجال أكثر أهلية للعمل السياسي، بسبب اعتقاد سائد بأنهم أكثر خبرة وعقلانية من النساء.

 

نتيجة لذلك، لم تتجاوز نسبة النساء المرشحات في الانتخابات البرلمانية لعامي 2018 و2022 نسبة تتراوح بين 14 و16% من إجمالي المرشحين. ومن بين 77 حكومة في لبنان، 9 حكومات فقط ضمت نساءً في عضويتها. ورغم تحسّن مشاركة النساء في القطاع العام، بما في ذلك القوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي، فإن نسبتهن بقيت محدودة (8% و3.6% على التوالي). وفي السلك القضائي، حيث تشكل النساء 48% من القضاة مقارنة بـ 52% للرجال، بقيت مواقع القرار بمعظمها بيد الرجال.

 

وبما أن حكومة لبنان التزمت "مقاربة قضايا النساء من منظور الحقوق والمساواة في المواطنة"، تعتبر المبيض أن هذا الالتزام يتطلب عملاً تشريعياً وتنفيذياً، بما فيها الكوتا، يضمن "مشاركة النساء الفعالة في صنع القرار"، إضافة إلى "إلغاء المعوقات التي تحول دون انخراطهن في الحياة السياسية وفي جميع ميادين الحياة العامة". الزخم السياسي الذي تضمنه البيان الوزاري يفتح أبواباً واسعة من الفرص، فهل ستتمكن هذه الحكومة، وهذا العهد، من تصويب بوصلة الالتزامات عبر إصلاحات حقيقية وجادة؟

 

وتختم المبيض بأن ثمة ثلاثة أمور مطلوبة من الحكومة: الجدية، والجرأة، والثبات في قيادة معركة الحقوق على أعلى مستويات السلطة، كي لا تضيع الفرصة مجدداً من مستقبل لبنان.

 

 

الأكثر قراءة

العالم العربي 12/16/2025 3:18:00 PM
الرئيس اليمني حمّل حركة "حماس" مسؤولية استمرار الغارات الإسرائيلية والمجازر بحق الشعب الفلسطيني
المشرق-العربي 12/16/2025 5:26:00 PM
ترى باريس أن "حزب الله" يسيء فهم اتفاق وقف إطلاق النار ، مدعياً  أنه يتضمن نزع سلاحه في جنوب الليطاني فقط، في حين أنه يقوم الاتفاق على نزع سلاح الحزب في كل لبنان، وهذا مكتوب "أسود على أبيض" في الاتفاق
الولايات المتحدة 12/17/2025 8:59:00 AM
أوضحت جامعة MIT أن لوريرو كان أستاذاً في قسم العلوم والهندسة النووية وقسم الفيزياء، كما شغل منصب مدير مركز علوم البلازما والاندماج التابع للمعهد