خلود الفضلي: من حب الطبيعة إلى تحقيق إنجاز عالمي في الاستدامة والفن (فيديو)

في عالم تسوده التحديات البيئية، تبرز شخصيات ملهمة تتخذ من الفن والاستدامة وسيلة للتغيير. خلود الفضلي، شريك مؤسس لمدرسة "الأوراق الخضراء" في جدة، ليست رائدة في مجال التعليم فحسب، بل هي أيضاً نموذج للمرأة السعودية الطموحة التي تسعى الى ترك بصمتها في المجتمع. من حبها للطبيعة، انطلقت في رحلة غير تقليدية، مزجت فيها الفن بالاستدامة، محققة إنجازاً عالمياً أدخلها موسوعة غينيس للأرقام القياسية من خلال أكبر جدارية مصنوعة من أغطية البلاستيك في العالم.
في هذا الحوار، نتعرف أكثر على قصتها، التحديات التي واجهتها، وأحلامها المستقبلية في مجال الاستدامة والفن:
كيف جاءت فكرة إنشاء أكبر جدارية من أغطية البلاستيك، وما الرسالة التي أردتِ إيصالها من خلالها؟
بدأت الفكرة بعد نجاحي في تنفيذ أكبر خريطة للعالم مصنوعة من أغطية البلاستيك عام 2021 بمشاركة مجموعة من المهتمين بالبيئة، تزامناً مع اليوم العالمي للبيئة واليوم العالمي للمحيطات. تهدف الى رفع الوعي حول تلوث البلاستيك للبيئة، خصوصاً أن تأثيره البيئي بات كارثياً. وفي 2023، قررت إعادة التجربة ولكن بشكل مختلف ومستدام، وذلك عبر تنفيذ أكبر جدارية ترمز الى السعودية الخضراء مصنوعة من أغطية البلاسيك الملونة، وهي تعكس رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان 2030 ضمن رؤية السعودية الخضراء. الجدارية، التي امتدت على مساحة 338 متراً مربعاً، أصبحت مِعلماً فنياً دائماً يروي قصة السعودية من ماضيها إلى حاضرها ومستقبلها، وكان هذا الإنجاز من أعظم النجاحات التي حققتها، حيث دخلت موسوعة غينيس.
رسالتي كانت واضحة: أولاً، بيئية، تهدف إلى توعية المجتمع بأهمية تقليل استهلاك البلاستيك وإعادة استخدامه بدلاً من رميه في البحار، حيث يتسبب بنفوق آلاف الكائنات الحية. وثانياً، رسالة وطنية، حيث استخدمت الأغطية لرسم صورة مستقبلية عن السعودية المزدهرة برؤية 2030، والتي تتبنى مشاريع ضخمة مثل "نيوم" وتوسعات الرياض.
ما التحديات التي واجهتك أثناء تنفيذ هذا المشروع، وكيف تمكنتِ من التغلب عليها؟
لم يكن سهلاً على الإطلاق تغطية مساحة 338 متراً مربعاً بأغطية بلاستيكية، خصوصاً أن الغطاء الواحد لا يتجاوز 2 سم. كان علينا جمع حوالى 800 ألف غطاء من مصادر مختلفة، مثل المستشفيات والمدارس والأفراد، وحتى الشركات التي زودتنا أغطية مصنعية فيها أخطاء، بدلاً من إلقائها في النفايات.
التحدي الأكبر كان إقناع الناس بالفكرة، فإقناع المجتمع بأهمية إعادة التدوير كان يحتاج الى جهد كبير، بالإضافة إلى صعوبة إيجاد موقع مناسب بمساحة 160 متراً لعرض الجدارية. ولحماية الجدارية من العوامل البيئية مثل الشمس والهواء، تم طليها بطبقة خاصة لضمان بقائها أطول مدة ممكنة، والحمد لله، ما زالت محافظة على رونقها بعد ثلاث سنوات من تنفيذها.
كيف ترين دور الفن في التوعية البيئية وتعزيز ثقافة إعادة التدوير في السعودية؟
رؤية 2030 وضعت الاستدامة في قلب خططها، وأحد برامجها الرئيسية هو "جودة الحياة"، الذي يركز على تغيير أسلوب حياة الأفراد نحو ممارسات أكثر استدامة. الفن هو وسيلة فعالة للتواصل مع الناس ونقل الأفكار البيئية بطريقة جذابة، فحين يرى أحدهم قطعة فنية رائعة مصنوعة من مواد معاد تدويرها، يدرك أن بإمكانه هو أيضاً إعادة استخدام هذه المواد بدلاً من التخلص منها.
الهدف هو جعل إعادة التدوير عادة يومية، بحيث لا يكون الحل الوحيد هو رمي الأشياء، بل التفكير في طرق إعادة استخدامها بطرق مبتكرة. الأرض أمانة بين أيدينا، وقد ورثناها من أجدادنا وسنسلمها لأحفادنا، لذا علينا أن نحافظ عليها للأجيال القادمة.
مع الاهتمام المتزايد بالاستدامة في رؤية 2030، كيف يمكن في رأيك تشجيع مزيد من السعوديات على الانخراط في مشاريع بيئية مبتكرة؟
المرأة السعودية اليوم قادرة على اقتحام أي مجال، سواء في الصحة أو الرياضة أو الاستدامة. رؤية 2030 خلقت بيئة تمكّن المرأة من تحقيق طموحاتها من دون معوقات، وهذه فرصة ذهبية يجب استغلالها. لا يوجد شيء مستحيل، وكل من لديها شغف ورغبة في إحداث تغيير تستطيع أن تحقق حلمها.
ما هو انطباع المجتمع، وبخاصة النساء، حول هذا الإنجاز؟ وهل تلقيتِ دعماً من جهات رسمية؟
بالتأكيد، المشروع لاقى دعماً كبيراً، لكن التحدي الأساسي كان في شرح الفكرة للناس وإقناعهم بها، خصوصاً في مرحلة جمع الأغطية. احتجنا ثمانية أشهر لجمع 800 ألف غطاء، وكانت هناك صعوبة في إقناع البعض بجدوى المشروع.
الجهات الحكومية، مثل أمانة جدة، لعبت دوراً مهماً في دعم المشروع، خصوصاً في ما يتعلق بتوفير الموقع المناسب. أما في ما خص التحديات التقنية، مثل تركيب الجدارية وحمايتها من العوامل الطبيعية، فقد استطعنا التغلب عليها من خلال الطلاء الخاص الذي يحمي البلاستيك.
بعد دخولك موسوعة غينيس، ما الخطوة التالية؟ هل لديك خطط لمشاريع بيئية أخرى؟
بالتأكيد، هذا المشروع غيّر طريقة تفكيري وجعلني أرى الأشياء من منظور جديد. لم يعد الأمر مقتصراً على البلاستيك، بل بدأت أفكر في طرق إعادة استخدام الورق، الملابس، وحتى علب البلاستيك بطرق مبتكرة. أصبح نمط حياتي بالكامل أكثر استدامة، وبدأت باستبدال المقتنيات غير الضرورية بأخرى صديقة للبيئة.
المشاريع القادمة ستركز على سبل تحويل النفايات إلى تحف فنية، وتحفيز المجتمع على إعادة التدوير بأساليب إبداعية. الفكرة ليست مجرد جمع البلاستيك، بل تحويله إلى شيء ذي قيمة وفائدة للمجتمع.
بمناسبة يوم المرأة العالمي، ما رسالتك للمرأة السعودية الطموحة التي تسعى الى ترك بصمتها في مجالات الفن والاستدامة؟
نحن نعيش في عصر الرؤية 2030، وهذه فرصة ذهبية لكل امرأة سعودية لتثبت نفسها وتحقق طموحاتها. لكن الأهم من ذلك هو تحقيق التوازن بين الحياة المهنية والحياة الأسرية، فالمرأة ليست صانعة إنجازات فحسب، بل هي أيضاً عماد الأسرة والمجتمع.
رسالتي لكل امرأة: لا تخافي الفشل، فكل تجربة تعلمك شيئاً جديداً. الأحلام تتحقق بالإصرار، والنجاح هو رحلة مليئة بالتحديات، لكنه يستحق العناء. احلمي، خططي، ونفذي، فأنتِ امرأة سعودية، وطموحك يصل إلى السماء.
من كان داعمك في هذه المسيرة؟
كل نجاح يحتاج إلى دعم، وأنا ممتنة لعائلتي، والدي ووالدتي، اللذين آمنا بي منذ البداية، وزوجي وأبنائي الذين ساندوني في كل خطوة. كما أن المتطوعين والمؤسسات الحكومية، وبخاصة أمانة جدة، كان لهم دور كبير في تحقيق هذا الإنجاز. وفي النهاية، أشكر نفسي لأني لم أستسلم. الاستمرارية والإصرار هما سر تحقيق الأحلام، وهذا المشروع لم يكن مجرد إنجاز شخصي، بل رسالة للعالم أن بإمكاننا تحويل مخلفاتنا إلى أعمال فنية تحمل معاني أعمق.