دعوة إلى الوعي!

المشرق-العربي 12-12-2025 | 02:36

دعوة إلى الوعي!

هذا الكلام موجّه الى المعارضة، كما هو موجّه الى اهل السلطة الذين اصبحوا مع “حزب الله” اسرى لفظياتهم وارتباطاتهم.
دعوة إلى الوعي!
الصفحة الأولى من عدد 2002-01-17. (النهار)
Smaller Bigger

2002-01-17

 

الوضع اللبناني والاقليمي اكثر من دقيق وأكثر من خطير وأكثر من متفجّر. ويمكننا ان نشبّه ما يحصل في لبنان بما حصل في الارجنتين، مع فرق اساسي هو ان الارجنتين ليست غارقة في منطقة غارقة هي ايضا في دوامات العواصف، كما ان الارجنتين لا تخضع لردود فعل هذا الوضع وليست ساحة صراع وتجاذب لكل افرقاء الصراع، مما يعني ان ما يحصل في لبنان هو اشد خطورة مما حصل في الارجنتين وان اي انفجار هنا قد يؤدي الى دمار شامل. فحذارِ اللعب بالنار والانسياق وراء تصعيدٍ ومزايدات.

 

وهذا الكلام موجّه الى المعارضة، كما هو موجّه الى اهل السلطة الذين اصبحوا مع “حزب الله” اسرى لفظياتهم وارتباطاتهم.

والاخطر من كل هذا، وبكل صراحة، ان لا المعارضة تقترح مشروعاً انقاذياً بديلاً ولا الحكم يعرض اية صورة او تصوّر او آفاق لانقاذ الوطن.

المعارضة في حالة رد فعل والحكم في حالة افلاس. مما يعني - وهذا هو الاخطر - ان اي انفجار او اية فوضى قد يؤديان الى انفجار اكبر وفوضى اشمل وانهيار مريع وتفكك هائل.

 

 

 

ان الاحتقان الشعبي البادي اليوم نتيجة الافلاس السياسي والاجتماعي والاقتصادي لا يجوز توظيفه لقلب النظام او ضد الوطن، بل لايجاد صدمة ايجابية عند اهل الحكم ليعوا الاخطار ويقوموا بمبادرة للخروج من المراوحة القاتلة. مطلوب اليوم وقبل الغد، خطوة جبارة تنطلق من اعتراف الحكم بالخطأ السياسي، وبتراجعه عن جموده حتى لا نقول تصلبه المجمَّد، والاعتراف بأننا وصلنا الى حافة الانهيار وشفير الهاوية وبتنا في حاجة ماسة الى رؤيا وطنية صافية وإلى وضع خطة انقاذية اقتصادية واجتماعية وسياسية.

 

ان الدول التي تعاني ازمات اقتصادية تحاول ايجاد صدمة سياسية ايجابية لتحريك الواقع وتغييره، والدول التي تعاني ازمات سياسية تحاول ان تخرق هذه الازمات بوضع اقتصادي ايجابي يغطي السلبيات السياسية ويعوّضها.

 

اما في لبنان فالسلبيات اصبحت عامة تمس الوضع الاقتصادي والسياسي مما يشل كل امكانات التحريك الايجابي.

   لذلك على رئيس الجمهورية شخصياً اتخاذ المبادرة لتحريك الوضع السياسي، ليتحرك الوضع الاقتصادي عبر بعث الحياة في عجلة التحاور الداخلي والحوار اللبناني - السوري.

مطلوب من الرئيس ان يتوجه الى الشعب برسالة مصارحة، بقلب مفتوح بعيدا عن تلقين الدروس وخارج الانشائيات الخشبية والوعود الافلاطونية… من قلب الحكم الى قلب الشعب لـ”قلب” المعادلة القائمة. مطلوب منه في رسالة ان يعلن حالة طوارئ سياسية واقتصادية واجتماعية وأن يدشن استشارات موسعة جدا في القصر الجمهوري مع المعارضة ومع الهيئات الاقتصادية ومع المؤسسات المدنية غير الحكومية ومع اختصاصيين ومع ذوي رؤيا، وان تتألف لجان استشارية، وأن يوضع برنامج زمني محدد لا تتجاوز مهلته الاسابيع للخروج باقتراحات وتصورات اقتصادية وسياسية عملية تتبناها الحكومة وترسلها الى مجلس النواب لنخرج من حالة الافلاس والمأزق الذي نتخبط فيه.

 

مطلوب ان تصبح الدولة قفير نحل يعمل ليلاً ونهاراً مع كل التيارات اللبنانية ومع اختصاصيين وخبراء لنخرج من دوامة المواقف الانفعالية وتصفية الحسابات وندخل في حلقة الفعل والاقتراحات الملموسة والبناءة التي تجعلنا نتحمل مسؤولية انقاذ مشتركة. الوضع الداخلي والاقليمي اخطر مما يظنه اصحاب الشأن.

 

لقد وضع لبنان نفسه، وحده دون سواه من دول العالم، في خانة المواجهة مع اميركا وقوات التحالف. “حزب الله” والدولة اصبحا اسيري مواقفهما. في حين ان سوريا اعلنت انها كانت سبّاقة في مساعدة الغرب، في معركته ضد الارهاب، بالاضافة الى كل الدول العربية التي تساوم على حسابنا ومن خلالنا. فاسمحوا لنا هنا بهذه الحاشية: اللبنانيون، كل اللبنانيين، اذا خيّروا بين “حزب الله” وأميركا يختارون “حزب الله” اذا اختار “حزب الله” لبنان ومصلحة لبنان أولاً وأخيراً! ولكن اذا بقيت ورقة المقاومة ورقة مساومة سورية وايرانية تستعمل في لبنان ومن لبنان وأحيانا، لئلا نقول دائماً، على حساب لبنان، فهذا امر مرفوض.

 

من هنا نقول ان المطلوب ان تعود ورقة المقاومة الى لبنان، فتخرج من حصرية “حزب الله” الذي يتصرف وكأنه هو الدولة وهو الشعب وهو الوطن. هذه الورقة يجب ان تكون في تصرف الدولة وكل الشعب اللبناني ولحساب كل لبنان، لا لحساب “حزب الله” او سوريا او ايران.

هذا اذا اردنا ان نخرج من الدوامة مع اميركا والغرب وأن ندخل في مفاوضات عاقلة وبعيداً من التهديدات والغوغائية اليومية التي يطلقها مسؤولون في “حزب الله”.

وإلا فلن تنجح مبادرة انقاذية ولن يكون المستفيد الا اسرائيل وشارون بالذات.    وهنا لا بد من ان نقول ان معلومات ديبلوماسية اكيدة تشير الى ان شارون اعدّ خطة شاملة وبدأ ينفذها تهدف الى نسف مشروع الدولة الفلسطينية والقيام بعملية تهجير واسعة للفلسطينيين في اسرائيل ومناطق الحكم الذاتي لتوطينهم في الدول العربية من خلال زعزعة الاستقرار الاقليمي وربما نسف انظمة وتغيير حدود عبر الاستفادة من الحملة الدولية على الارهاب، ومن الغياب العربي ومن الانصياع العربي للتيارات الاصولية والاحزاب والحركات المتطرفة في فلسطين وفي بعض الدول العربية، مما يعطي شارون كل الذرائع لتنفيذ مخططه.

 

بمعنى آخر، اذا واصلنا هذه السياسة، وانطلاقا من الازمة التي نتخبط فيها داخليا، والتي يتخبط فيها العالم العربي، قد يكون انفجار العديد من الانظمة العربية والدول وشيكاً، وتصبح مشاريع التهجير والتوطين في لبنان وفي سوريا والعراق والاردن ومشاريع تفتيت المنطقة من المحيط الى الخليج مشاريع قابلة للتحقيق، لا سمح الله! فهل من واعٍ لذلك في لبنان وفي “حزب الله” وفي العالم العربي؟ ام ان الجميع اصبحوا (لئلا نقول كان وما زال) بمثابة “المنفّذ العام” الذي لا يملك ولا يمتلك سلطة القرار وصفاء التفكير والتحليل؟ اننا في اشد الحاجة الى خطة انقاذية لبنانية وعربية وإلى وعي وطني وقومي شامل، وإلى تحصين وضعنا الداخلي اللبناني والعربي، لمواجهة ما يُحضّر لنا.

 

نحن في حاجة اولاً الى حوار شجعان داخل لبنان، وحوار شجعان بين لبنان وسوريا، وحوار شجعان بين مسؤولي العالم العربي حكاما ومفكرين… وهذا قبل حوار الشجعان بين العرب واسرائيل. فهل من شجعان وأصحاب رؤيا ومبادرة لننقذ معا ما يمكن انقاذه قبل ان نصبح جميعنا مجموعة دويلات وأقليات تتآكل وتتقاسم البقايا وتتلاعب بها اسرائيل؟

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/10/2025 6:25:00 AM
تحاول الولايات المتحدة تذويب الجليد في العلاقات بين إسرائيل والدول العربية من خلال "الديبلوماسية الاقتصادية"
المشرق-العربي 12/11/2025 6:15:00 AM
قذائف المزّة والعمليتان اللتان لم يفصل بينهما شهر تحمل رسائل تحذيرية إلى الشرع وحكومته، والرسالة الأبرز مفادها أن القصر الرئاسي تحت مرمى الصواريخ.
المشرق-العربي 12/11/2025 2:25:00 AM
إنّها المرة الأولى التي تتهم المنظمة "حماس" وفصائل أخرى بارتكاب جرائم ضد الانسانية.
المشرق-العربي 12/11/2025 2:10:00 PM
شدد على ضرورة منح المحافظة حكماً ذاتياً داخلياً أو نوعاً من الإدارة الذاتية ضمن سوريا كوسيلة لحماية الأقليات وحقوقها.