"ميّاس": حين يرقص لبنان ليحيا
من قلب لبنان المتعب، ولدت فرقة "ميّاس" لتُعيد تشكيل صورة الوطن على مسارح العالم، ولترسم بالجسد ما عجزت عنه الكلمات والخطب والخطط. فمن "America's Got Talent" إلى افتتاح مهرجانات الأرز، ومن عروض بيروت إلى منصة بيونسيه في دبي، خطّت "ميّاس" مساراً غير مألوف لفرقة لبنانية نسائية، صنعته بالإرادة، والانضباط، والإبداع الذي لا يشبه إلا ذاته.
تأسّست الفرقة عام 2019 على يد نديم شرفان، الفنان الذي جعل من الرقص مشروع حياة ورسالة وطن. الراقصات في الفرقة، بعضهنّ لاجئات من الحرب، وبعضهنّ طالبات فن، وجميعهنّ اجتمعن تحت مظلة واحدة: تحويل الرقص إلى لغةٍ عالمية تعبّر عن لبنان بجماله، وتاريخه، وهشاشته، وتمرده، وموسيقاه، وصراخه، وأمله.

عام 2022، فازت "ميّاس" بلقب برنامج "America’s Got Talent"، في لحظة مفصلية جعلت العالم يُصغي لصوت لبنان المختلف، الخارج من رحم الألم. "سأرقص دفاعاً عن لبنان العظيم"، كتب نديم شرفان، مستذكراً قسم جبران تويني. لم يكن الفوز مجرّد انتصار تقني، بل كان لحظة اعتراف بأنّ اللبناني قادر على تحويل المعاناة إلى فن، والخسارات إلى ضوء.
نديم شرفان، الآتي من قرطبا، لم يكن مجرّد مدرّب. هو راقصُ الحياة، وشاعرُ الحركة، وناقدُ النظام بصمت. عاش طفولةً مؤلمة، واجه فيها مرض والده، والفقر والخذلان، لكنه لم يتنازل عن الحلم. وجد في الجسد مساحة حقيقية للقول والتعبير، فأنشأ "ميّاس" كفرقة تُقاتل بالصمت والظلّ، وتنبض بالضوء والدقة.
اليوم، تواصل الفرقة مشوارها الفني باحتراف عالٍ. قدّمت عروضاً ساحرة في الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية والإمارات، وشاركت في مناسبات عالمية إلى جانب أسماء كبرى كبيونسيه، كما أقامت ورش عمل ومشاريع فنية لتعزيز الفن الاستعراضي في لبنان والمنطقة.

وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي يعيشها لبنان، تُواصل "ميّاس" عملها من بيروت كقاعدة رئيسية للتدريب والإنتاج الفني، مما يشكّل تحدّياً وجودياً ورسالة وفاء للوطن. تعمل الفرقة على مشاريع، بعضها يتناول قضايا النساء، والهجرة، والهوية، من خلال عروض بصرية تمزج ما بين الفنون المعاصرة والتراث الشرقي.
اللافت في تجربة "ميّاس" أنّها لا تقدّم مجرّد استعراضات راقصة، بل أعمالاً مسرحية صامتة، مفعمة بالرمزية، تتّكئ على الإبهار البصري، والموسيقى المختارة بعناية، والتناسق الجسدي الذي يتحوّل إلى لغة قائمة بذاتها. كل عرض هو حكاية، وكل حركة هي جملة شعريّة.
حين افتتحت الفرقة "مهرجانات الأرز الدولية" في صيف 2025 بعرض "العودة"، المخصّص لجبران خليل جبران، أثبتت أنها قادرة على تحويل الرموز الثقافية إلى مادة إبداع حيّة، تُخاطب أجيالاً جديدة من اللبنانيين والعرب والعالم.
"ميّاس" ليست فقط فرقة فازت بلقب عالمي. هي مرآةٌ تُطلّ منها بيروت على العالم بثقة ودهشة.
نبض