بيروت التي لم تهزمها حروبٌ ولا زلازل... سياحة مختلفة مع سميرة عزو

مجتمع 07-09-2025 | 10:15

بيروت التي لم تهزمها حروبٌ ولا زلازل... سياحة مختلفة مع سميرة عزو

عزو":  لا يجب أن يكون وسط بيروت فقط وجهة للتسوّق والمطاعم الغالية، وهذا للأسف جعل البعض يشعر بأنه لا ينتمي إلى هذا المكان".
بيروت التي لم تهزمها حروبٌ ولا زلازل... سياحة مختلفة مع سميرة عزو
من زوايا المدينة، غرافيتي السيدة فيروز.
Smaller Bigger

الحديث مع سميرة عزو ليس مجرد استعراض تجربة مرشدة سياحية عشقت بيروت وتفاصيلها، بل غوص في التاريخ والأزمنة والحقبات التي صنعت مجد المدينة المتوسطية. 

توجّهت عزو إلى هذا المجال متأثرة بعائلتها التي اعتادت استكشاف أماكن جديدة باستمرار. وكما في كل عائلة، كان الجد والجدة يرويان القصص، الأمر الذي غذّى فضولها منذ الصغر.

 

تقول: "بدأ فضولي يكبر، وخلال سنوات دراستي الجامعية صرت أبحث عن أماكن للاستكشاف في بيروت تكون مجانية، لأنني لم أكن أعمل آنذاك. كنت أفضّل دائماً السير على القدمين. في تلك الفترة (2014-2015)، لم تكن المعلومات عن الآثار والتراث والعمارة في بيروت متاحة بوضوح لعامة الناس، لذلك لجأت إلى المطالعة والبحث أكثر عن مواضيع مرتبطة بلبنان وبيروت تحديداً".

 

سميرة عزو (مواقع)
سميرة عزو (مواقع)

 

تحمل عزو إجازة في اللغة الإنكليزية وآدابها، وعملت في البداية معلمةً للغة الإنكليزية، ثم في مكتبة مدرسة تعتمد نظام البكالوريا الدولية، حيث كان التركيز كبيراً على مهارة البحث والنزاهة الأكاديمية. هذا الأمر ساعدها على تطوير قدراتها البحثية وتطبيقها لاحقاً في البحث الميداني والإلكتروني عن المحطات التي تزورها في جولاتها. وبعد ذلك، تابعت دراسة الإرشاد السياحي في الجامعة اللبنانية وحصلت على إذن مزاولة المهنة.

 

لو عاشت زمناً آخر

لو كان بوسعها أن تختار زمناً آخر لبيروت لتعود وتعيش فيه، فأيّ زمن سيكون؟

 

تجيب: "أختار فترة الخمسينيات والستينيات، أو الحقبة الرومانية حين كانت للمدينة حدود أوسع قبل أن يدمّرها الزلزال في العصر البيزنطي ويحوّلها إلى مدينة صغيرة على الساحل. بيروت الرومانية كانت تمتلك مسرحاً، وحدوداً واسعة، وامتيازات لسكانها، إذ اعتُبرت مستوطنة مميّزة بحيث إن أهلها لفترة لم يدفعوا ضرائب، وفق بعض الروايات التاريخية. كما كانت مزوّدة بقنوات تنقل المياه من خارج أسوارها وصولاً إلى رياض الصلح، بعدما كبرت المدينة وازداد عدد سكانها ولم تعد الآبار تكفي.

 

لاحقاً، خلال الفتوحات الإسلامية، لُقّبت بـ"مدينة الآبار" لكثرتها. أما في الحكم الروماني فكانت هناك ثلاث مدارس حقوق، إحداها في بيروت، وإن لم يُعرف موقعها الجغرافي بدقة. بيروت حينها كانت مدينة ذات طابع روماني بامتياز، لكن الزلزال دمّرها".

 

الحمامات الرومانية في بيروت (مواقع)
الحمامات الرومانية في بيروت (مواقع)

 

يُذكر أنّه في التاسع من تموز/يوليو عام 551، وقع زلزال بلغت قوته 7.6 درجات على مقياس ريختر. تسبّب الزلزال بتسونامي مدمّر اجتاح الساحل اللبناني من طرابلس إلى صور، ووصل أثره إلى مدن ساحلية في فينيقيا البيزنطية، فدمّرها وأغرق العديد من السفن. ويرجّح الخبراء أنّ مركز الزلزال كان إمّا بعيداً عن الشاطئ أو على اليابسة لكن قرب البحر، وفي كلتا الحالتين لم يكن بعيداً عن بيروت. ويُقال إنّ هذا الزلزال سوّى المدينة بالأرض، واستغرقت إعادة بنائها عقوداً طويلة. كما تسبّب بحريق كبير في بيروت. ويؤكّد الخبراء أنّ زلازل بهذا الحجم لا تتكرّر إلا مرّة واحدة كل 1500 عام.

 

كتب المؤرخ والرحالة يوحنا مالالاس الأنطاكي في هذه الواقعة:  "... وفي الإحداث الرابع عشر، ضرب زلزال عنيف مجمل أراضي فلسطين والعربية وفي بلاد ما بين النهرين وأنطاكيا وفينيقيا البحرية واللبنانية. وفي وسط هذا الرعب كانت أكثر من عانى هي مدن صور وصيدا وبيروت وطرابلس وبيبلوس (جبيل) وبطرايس (البترون) وأجزاء أخرى من المدن. وفي مدينة البترون انفلق جبل ليثوبروسوبون (رأس شكا) القريب منها ووقع في البحر وشكل مرفأ طبيعياً صارت السفن فيما بعد تأوي إليه، علماً أنه لم يكن لهذه المدينة ميناء من قبل. وقد أرسل الامبراطور مساعدات مالية لكل المقاطعات وأعاد إعمار بعض هذه المدن".

 

بيروت المدمرة (مواقع)
بيروت المدمرة (مواقع)

 

يقول المؤرخ أغاثياس: "حصل زلزال عنيف في القسطنطينية وأرجاء متعددة من الأمبراطورية نتج عنه أن سُوّيت أراضٍ كثيرة في الجزر أو على الساحل إلى الأرض واندثر سكانها. أما "درة فينيقيا" مدينة بيروت الجميلة فقد أصابها الخراب بالكامل وأصبحت كنوزها المعمارية الشهيرة في أرجاء العالم أكواماً من الحجارة ولم يبق منها شيء إلا بعض بلاط الطرقات والأرصفة".

 

حرفيو بيروت

تروي سميرة قصصاً من تجربتها الشخصية في بيروت، وتقول: "بعد انتهاء الحرب الأهلية لم نعد نرى الحرفيين في وسط المدينة، الذي يُفترض أن يكون واجهة تعكس إرثنا الثقافي المتمثّل بالحرف والحرفيين، من الكندرجي إلى محترفي الخشب والزجاج وصانعي إطارات الصور، وصولاً إلى من يعملون في التراث الطهوي مثل المفتقة البيروتية أو الداعوقية. هذه المكوّنات ترتبط بكينونة المدينة وسكّانها، إذ إن كينونة المدينة هي في النهاية سكّانها الذين يحوكون حكايتها. يحزنني أن أعلم أنّ حرفياً لم يورّث حرفته لأحد من عائلته أو خارجها، وأن يرحل فيزول متجره معه".

 

صناعة الفخار (النهار)
صناعة الفخار (النهار)

 

فن الجداريات

تضيف: "مدينة بيروت أشبه بمتحف فني مفتوح للعموم، يضم الكثير من الغرافيتي على الجدران وفن الجداريات، الذي يعبّر عن ثقافة المدينة وتاريخها وهويتها المتنوّعة. هذه اللوحات الفنية ليست مجرد زخارف، بل هي مرآة تعكس الحالة الراهنة التي تمرّ بها بيروت، وتعكس هموم سكانها وآمالهم، بالإضافة إلى النقد الاجتماعي والسياسي الذي يعبّر عنه الفنانون المحليون. لذلك أحرص خلال جولاتي على إبراز هذا الفن وتسليط الضوء عليه، لأنه يقدّم فكرة شاملة عن المدينة وشخصياتها، ويتيح للزائرين والمقيمين فهم ما يحدث فيها من أحداث سياسية واجتماعية، كما يعكس الدور الرمزي للعاصمة اللبنانية التي تشكّل انعكاساً للبلد ككل، ويجسّد قصص الناس وتجاربهم اليومية".


قلعة بيروت

تتابع: "لا يمكن أن نغفل عمّا بقي من قلعة بيروت. نزور قلعة صيدا وطرابلس والقلاع الصليبية في الجنوب، لكن قلعة بيروت منسيّة، وقد اكتُشفت بالصدفة بعد الحرب الأهلية خلال الحفريات الأثرية في التسعينيات. تفاصيلها مذهلة، وأحرص دائماً على اصطحاب السيّاح إليها، لكن بسبب التجار البيارتة الذين أرادوا توسيع مرفأ بيروت، هُدمت القلعة البرّية والبرج البحري، إذ كانت القلعة أصلاً مهملة. بطبيعة الحال، بُنيت في الفترة الصليبية لأهداف دفاعية وعسكرية. وقد تعاونت مع طالب ماجستير ليقدّم مشروع تخرّج عن القلعة، وتعاونت مع صانع محتوى أيضاً لتسليط الضوء عليها".

 

 

الباعة الجوّالون

تستطرد: "كلما رأيت بائعاً جوّالاً في بيروت، أشعر بالاطمئنان إلى أن المدينة بخير، فالباعة الجوّالون يبيعون منتجات موسمية ومتنوّعة تعكس طابع المدينة وتغيّر الفصول، وهذا ما يميّزهم عن أصحاب المتاجر الثابتة. هم جزء من الحياة اليومية للشوارع والأحياء، ويتعرّضون للحرارة الشديدة والظروف القاسية أثناء تجوالهم، غير عابئين بالصعوبات. يزيّنون عرباتهم بطريقة تعبّر عن شخصياتهم وهويتهم، وغالباً ما يميّزون أنفسهم بموسيقى أو زمور معيّن أثناء انتقالهم من شارع إلى آخر، ليجذبوا الزبائن ويضفوا حيوية على المكان. هذا المشهد ليس مجرد بيع وشراء، بل هو انعكاس للروح الشعبية للمدينة، ويمثّل جزءاً من التراث الثقافي والاجتماعي لبيروت. إنه مشهد متميّز، وخصوصاً على الكورنيش البحري".

 

بائع متجول (أ ف ب)
بائع متجول (أ ف ب)

 

المقاهي الشعبية

تتابع: "ما زالت المقاهي الشعبية موجودة، لكنها قليلة، وتعكس حالة من الزمن أي قبل السبعينيات، حين كان الذكور فقط يرتادونها، وتمتاز بالنرجيلة العجمي حيث يجلس 'القبضايات' للعب الورق والطاولة وتبادل الأحاديث اليومية. اليوم، يرتادها المسنّون أكثر مقارنة بالسابق، فيما تغيّرت بعض المقاهي لتلائم أذواق الجيل الجديد. في جولاتي الخاصة، نمرّ بالمقاهي الشعبية ونلاحظ التطوّر من المقاهي التقليدية ومطاحن البن القديمة إلى الأماكن التي تقدّم القهوة المختصة والتجارية".

 

بيروت على الخريطة السياحية

تختم عزو: "ضروري جداً أن تكون بيروت بتفاصيلها على الخارطة السياحية، وألا تقتصر السياحة على الروشة والزيتونة باي ووسط بيروت. يجب أن نتعرف إلى ما بعد بيروت، سواء من الحمرا إلى الباشورة والبسطة والبربير والنويري وفرن الحايك والمدور ومار مخايل. جميل أن ندخل إلى الزواريب ونكتشفها، ونرى الجزء الحيّ الذي يرتبط بقصص حقيقية وبالمحليين الذين يقطنون هذه الأحياء منذ زمن.

 

زيتونة باي (مواقع)
زيتونة باي (مواقع)

 

وتتمنى أن يكون التركيز في وسط بيروت أكثر على المواقع التاريخية والأثرية التي لا تزال موجودة، إذ إن بعضاً منها انجرف أو انطمر: "وقعت مجازر أثرية في وسط بيروت خلال فترة التسعينيات، حين كان وسط المدينة أكبر موقع للتنقيبات الأثرية. لا يجب أن يكون وسط بيروت فقط وجهة للتسوّق والمطاعم الغالية، وهذا للأسف جعل البعض يشعر بأنه لا ينتمي إلى هذا المكان، مع أنّ وسط المدينة يجب أن يكون المكان الذي يجمع كل اللبنانيين على اختلاف مستوياتهم المالية وخلفياتهم الدينية والسياسية".

 

في مقدمة الطبعة الرابعة من كتاب "تاريخ بيروت" للصحافي سمير قصير، تكتب جيزيل خوري: "خلال زياراتي المتكررة لبيروت هذه الأيام أشعر بالبؤس والقهر ولكن عجيبة بيروت، تستعيد ما أمكن من رونقها ومن سحرها. 

 

ربما لأنها دائماً تختار الحرية.

 

ربما لأنها تبحث عن خيار آخر في زمن الخيارات الرديئة في المنطقة.

 

ربما كما تقول الأسطورة إن مار جرجس أو السيد خضر (كما يسميه بعض المسلمين) يحميها".  

 

 

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 11/15/2025 3:17:00 PM
طائرة مستأجرة تضم فلسطينيين تختفي عن الأنظار ثم تهبط فجأة في جوهانسبرغ بظروف غامضة.
النهار تتحقق 11/15/2025 9:19:00 AM
"تقول السلطات إن الأمر كله مرتبط برجل واحد متهم...". ماذا عرفنا عن هذا الموضوع؟  
تركيا 11/16/2025 6:11:00 AM
كان أفراد العائلة أصيبوا بتوعّك الأربعاء بعد تناولهم أطعمة من باعة متجوّلين