حياكة النول... تراث عريق من الشوف إلى العالم

في بلدة بشتفين قضاء الشوف، وفي منزل يفوح منه عبق التراث، تحوك هناء فيّاض على النول الطراز الشرقي من الملبوسات، وهي حرفة عريقة وقديمة في طريقها إلى الانقراض في لبنان.
"تاريخ هذه الحرفة مشرِّف وعريق يفوق 130 عاماً في هذا البيت"، تقول فيّاض لـ"النهار". وهي ورثت هذه الحرفة من والدها، الذي بدوره ورثها من والده. في عمر الـ17 تقريباً، حاكت أول فستان ووشاح لها. بعد 10 سنوات، احترفت هذه المهنة وأصبحت المصدر الأساسي والوحيد لدخلها.
منذ أكثر من 35 عاماً، تحوك هناء فيّاض المنسوجات بحب يشعر به الداخل إلى مشغلها، وكأنّه مملكتها. تحرّك يديها وساقيها بإيقاع على النول، باذلة مجهوداً غير بسيط. "حياكة النول تستنزف النظر وأعضاء الجسم، ولا سيما الذراعين والساقين والكتفين والظهر والرقبة والركبتين، إلى جانب المجهود الفكري في رسم التصميم ذهنياً وتنفيذه بالشكل الصحيح من دون أيّ دليل"، تروي.
تتمسّك فياض بهذه الحرفة "فهي شيء مقدّس في بيتنا، توارثتها أجيال وعاشت معها، أحببتها، تمسكت بها، وهي تمثل فن بلدنا وتراثه ووجهاً من وجوه السياحة فيه".
وتؤكد أن للعمل اليدوي قيمةً أسمى من عمل الآلات، ، فهو يستغرق وقتاً أطول لإنجازه، و"أحياناً نستمر في حياكة قطعة واحدة شهرين، وما ينتجه النول اليدوي من المستحيل أن ينتجه النول الكهربائي أو الآلات، وخصوصاً النقشات والرسوم".
بلغت فياض من الخبرة درجةً تخوّلها إبداع رسوم المنسوجات ارتجالياً على النول من دون سابق تخطيط. وكان لوالدها الفضل في إيصال هذا التراث إلى العالمية، فهو طوّرها بنقشات وأقمشة وخيوط جديدة. وفي عام 2000، حازت عباءة من عباءاته جائزة اليونسكو في باريس في مجال الحرف اليدوية.
ورغم أنّ منطقة الشوف هي من أوائل المناطق التي حاكت النول في لبنان، لم يبقَ فيها سوى نول هناء اليوم. وقد وصلت منسوجات هناء ووالدها وعباءاتهما الى زعماء وأمراء وشخصيات مرموقة ورفيعة محلية وعالمية، مثل فيدال كاسترو، الفنان كاظم الساهر، أول رائدة فضاء روسية فالنتينا تيريشكوفا، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي أنان. ومعظمها تحتفظ هناء بصور لها في أرشيف العائلة.
وشهد هذا المنزل على وفود رسمية وشعبية وسفراء عرب وأجانب وسيّاح وممثلين عن منظمات أممية، زاروا هذا البيت الحرفي الذي يعكس وجهاً من أوجه لبنان الجميلة وهو أحد أرصدة تراثه.