من حلم الطفولة إلى الواقع... حلّقت كالعصفور فوق لبنان!
فوق الغيوم، مثل طير تكسّرت كل حواجزه... هكذا شعرت عندما خضت تجربة الطيران الشراعي للمرة الأولى في حياتي، من أعالي حريصا إلى جونية. مشهد لا يُنسى، وشعور لا يُوصف. خمس عشرة دقيقة في السماء، بدت وكأنها فصلٌ كامل من الطفولة تحقق، من حلمٍ كنا نردّده صغاراً: "ليتنا نطير مثل العصافير"، إلى واقع نابض ومتاح من قلب لبنان.

تبدأ الرحلة بخطوات بسيطة لكنها ضرورية. أولًا، تلتقي المدرّب وتخضع لشرح سريع عن مراحل الإقلاع، التحليق، والهبوط. ثم ترتدي العدة الخاصة بالطيران الشراعي، والتي تتضمن خوذة واقية، حزام أمان، وكرسي معلّق مرتبط بجناح القماش (البارابات). يتم التأكد من ربط كل الأحزمة بإحكام، وإجراء فحص نهائي للتجهيزات قبل الانطلاق.

نقطة الإقلاع كانت من منطقة حريصا، على ارتفاع 700 متر فوق سطح البحر, حيث استقبلني رجا سعادة، مؤسس أول نادٍ للطيران الشراعي في لبنان، والذي بدأ رحلته مع هذه الرياضة منذ التسعينيات، عندما كانت مغامرة نادرة، قبل أن تتحوّل اليوم إلى واحدة من أكثر التجارب السياحية جذباً في لبنان.
يقول رجا: "بدأناها كتجربة رياضية، واليوم صارت وجهة سياحية بامتياز. يأتي ناس من كل لبنان ومن الخارج ليجربوا التحليق في هذا الخط الساحر من الجبل للبحر". ويضيف بحماسة: " في فلايت واحد ترى الغابة، المدينة، والبحر... مزيج بصري يجعل كل رحلة تجربة ملوّنة ما بتتكرر".

وبالفعل، أثناء تحليقي، مررنا فوق غابة حريصا، تسلّلنا بين الغيوم، ولمعت تحتنا مياه البحر، واختلط الأخضر بالأزرق على مرمى النظر. كل شيء كان واضحاً، قريباً، ومبهراً... لا ضجيج سوى صوت الرياح، ولا شعور سوى حرية مطلقة، وفرح داخلي يصعب وصفه.
سألت سعادة عن الخوف، عن أولئك الذين يهابون الطيران، فأجابني بابتسامة: "الخوف طبيعي، لكن الغريب هو من لايخاف أبداً. الخوف عادة يذهب مع أول إقلاع، الطيران الشراعي آمن، وإذا الشخص جاهز، يعيش واحدة من أجمل لحظات حياته".

أما الهبوط، فكان سلساً على أرض مخصصة بجانب الشاطئ، وليس مباشرة على الرمال. لحظة عودة هادئة، ختمت تجربة لا تُشبه شيئاً آخر.
الطيران الشراعي في جونية ليس مجرد نشاط سياحي، بل هو دعوة إلى التحرر، ولتحقيق حلمٍ كان يبدو مستحيلاً... وصار اليوم في متناول اليد.
نبض