إيلي صعب... من فساتين الطفولة إلى تاريخ الأناقة العالمية

في زوايا بيروت الهادئة، قبل أن يهمس العالم بإسمه بإعجاب، كان فتى صغيراً ينسج الصمت في ثنايا القماش.
لم يُولد إيلي صعب في حضن البذخ. وُلد في مدينة مثقلة بحكايات عن صمود وجمال وقدرة مذهلة على التجدّد.
في الوقت الذي كان أولاد جيله يلعبون بالسيارات، كان يحمل المقصّ ويفصّل الصحف القديمة، يغزل الأمل في بقايا الأقمشة ويحوّل الستائر إلى أحلام تُرتدى.
يُقال إن الموضة فنّ موسمي، لكن بالنسبة إلى صعب، كانت الذاكرة هي الدافع الأوّل. لم تكن فساتينه الأولى للمنصات، بل للنساء اللواتي أحبّهن الأكثر ولجارات الحيّ. أتخايله كان يراقب كيف يتبدّل وقوف المرأة حين ترتدي قطعة نُسجت خصيصاً لها، وكيف يمكن للثقة أن تُزرع بخيط وإبرة.
من بيروت وفيها... بقي
أصبح مشغله في بيروت أكثر من مجرد مساحة للإبداع، بل ملاذاً للروح. حتى في سنوات الحرب، حين اهتزّت الجدران تحت القذائف، لم يتوقّف عن الخياطة. فبالنسبة إليه، كان الخلق شكلاً من المقاومة. كان الجمال طريقته في مواجهة اليأس.
يعرفه كثر كمبدع الفساتين التي تسير بثقة على السجادة الحمراء، لكن قلائل يدركون كم قطعة من بيروت ترافقه في كل غرزة. نجاحه لم يبعده عن لبنان، بل جذّره أكثر في ترابه. وحين انفجر المرفأ عام 2020 واهتزّ قلب المدينة، أعاد بناء ما تهدّم بصمت، بلا بيانات إعلامية، بل بعمل يومي هادئ.
يتحدّث عن القماش كما لو كان حيّاً. قال ذات مرة إنه لا يصمّم للمرأة فقط، بل يصغي إليها. ولهذا فساتينه لا ترتدي المرأة، بل تحتضنها.
وربّما أكثر ما يلامس القلب أنه اشترى أوّل ماكينة خياطة له بالتقسيط، فهل لا زالت محفوظة لديه؟ هل يلجأ إليها في أوقات المحن المهنيّة؟
بالعودة إلى شريط حياته الملهمة، بتنا أكيدين أنّ إيلي صعب لا يصمّم من برج عاجي، بل من ذاكرة، من بيروت، من قلب ذلك الفتى الذي آمن بأن الجمال قادر على النجاة، حتى من الحرب.
حين نظر العالم إلى الشرق بعيون إيلي صعب
عام 2002، وفي أمسية من أمسيات هوليوود الكبرى، اعتلت "هالي بيري" خشبة الأوسكار، متألقة ومتوترة، تحمل لحظة تاريخية بفستانٍ أصبح بدوره أيقونة. كانت أول امرأة من البشرة السمراء تفوز بجائزة الأوسكار عن أفضل ممثلة، وكانت ترتدي فستاناً من توقيع إيلي صعب.
في تلك اللحظة، تغيّر كل شيء...
الفستان، بتطريزه الدقيق وتنورته الانسيابية بلون النبيذ، لم يكن مجرد قطعة أزياء، بل كان سيرة ذاتية تُروى بخيط وإبرة. سيرة فتى من بيروت، تعلّم الخياطة من صوته الداخلي، لا من مدارس الموضة.
ومن تلك اللحظة، بدأ اسم إيلي صعب يتردّد ليس فقط في الصالونات اللبنانية، بل في عواصم الموضة العالمية.
إيلي صعب رفيق النجمات في أبهى اللحظات
تألقت بيونسيه بتصاميمه، فغنّى الذهب على بشرتها. اختارته الملكة رانيا لتُجسّد الرصانة الملكية بلمسة شرقية. أنجلينا جولي، بريانكا شوبرا، تايلور سويفت، جينيفر لوبيز، فان بينغ بينغ... أسماء اختارت إيلي صعب حين أرادت أن تُرى من الداخل لا من الخارج.
فبينما كان العالم يلهث خلف الصرعات، بقي صعب ثابتاً على بوصلته، لا يركض وراء الموضة، بل يصنع الإحساس.
واليوم، حين ترتدي امرأة فستاناً من إيلي صعب، يتغيّر شيء ما في حضورها. يرتفع رأسها، تلين نظرتها، وتسير لا كمن ترتدي فستاناً، بل كمن تسير داخل حكاية حلمٍ باتت تملكه.