"بيروت ترنّم" يختتم أمسياته... ماري جو أبي ناصيف لـ"النهار": بيروت تستحق الحياة (فيديو)
كما اعتادت بيروت أن تفعل في أحلك الظروف، اختتم مهرجان "بيروت ترنّم" أمسياته بالموسيقى التي تتحوّل صلاة، وبالفرح الذي يصبح فعل إيمان جماعي، في أمسية حملت رمزية إنسانية وروحية عميقة، وجمعت بين النغم والمحبة والدعاء من أجل لبنان واللبنانيين.
حملت الأمسية الختامية حضوراً رسمياً وثقافياً لافتاً، في مقدّمهم رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام وعقيلته سحر بعاصيري ورئيس الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور فضلو خوري في دلالة واضحة على أهمية الثقافة كركن أساسي من أركان الدولة، وعلى الفن كقيمة عامة لا تقل شأناً عن أي مشروع وطني.

مسك الختام كان مع الميزو سوبرانو ماري جو أبي ناصيف، التي وقفت على خشبة مسرح قاعة الـ Assembly Hall في الجامعة الأميركية في بيروت، وهي تحمل ثقل اللحظة ومعناها، بين رهبة اللقاء وحميمية المكان، وفي حديث خاص لـ"النهار"، عبّرت عن شعورها قبل الصعود إلى الخشبة قائلة: "دائماً هناك رهبة قبل الصعود إلى المسرح، لكن "بيروت ترنّم" مختلف. لهذا المهرجان رمزية خاصة جداً، لأنه يُصرّ كل سنة على الاستمرار مهما كانت الظروف".
وتابعت: "هو مهرجان يقدّم الموسيقى بكل أنواعها، وبشكل مجاني، ليكون متاحاً لكل الناس، قبل الدخول في فترة الأعياد، وهذا بحد ذاته فعل إنساني وثقافي كبير".

برنامج خارج القالب التقليدي
عن الأمسية الختامية، شدّدت أبي ناصيف على أن البرنامج لم يكن عادياً، بل صُمّم ليحمل سردية متكاملة، وقالت لـ"النهار": "إلى جانب الرمزية الإنسانية، أردنا أن يحمل حفل الختام برنامجاً فنياً يروي قصة بيروت التي يليق بها الفرح والحياة".
وأضافت موضحة خلفية اختيارها لهذا الخط الفني: "هذا العام أحببت أن يكون الختام مختلفاً. لم أرغب بتقديم الترانيم والأغنيات الميلادية التقليدية، لأن الناس اعتادت سماعها، بل أردت أن يكون البرنامج تحية للحب".

وترى أبي ناصيف أن "الحب هو أساس الإيمان، وهو أساس فرحة العيد. في النهاية، رسالة الميلاد هي رسالة حب، ومن هنا انطلقت فكرة البرنامج".
لم يكن اختيار الأغنيات عشوائياً، بل مبنياً على المزاج الإنساني الذي يعيشه الناس اليوم. وفي هذا السياق، تقول أبي ناصيف: "الحب يلوّن حياتنا كلها، ويمنح هذه الفترة معناها الحقيقي. لذلك أردت أن تحكي الموسيقى عن الحب بكل أشكاله".
وعن الأغنية الأقرب إلى قلبها في هذه الأمسية، تكشف: "كل أغنية تحمل قصة، لكن لدي إحساس بأن الأغنية الأخيرة ستكون الأكثر تأثيراً، لذلك تركتها للنهاية، وهي "Believe" لـ إلتون جون"، مضيفة: "هذه الأغنية تختصر رسالة الأمسية كلها: الإيمان بالحب رغم كل شيء".

بيروت… مدينة تستحق الحياة
كلمات ماري جو أبي ناصيف جاءت صريحة ومباشرة، إذ قالت: "بيروت فعلاً لا يليق بها إلا الحياة. للأسف، لم نعرف دائماً كيف نحافظ على هذه الحياة فيها".
وتابعت بنبرة وجدانية: "لم نعرف دائماً كيف نتركها تتنفس وتبقى نابضة بالحياة، لكنني آمل أن تعود تلك الفترات الطويلة من الاستقرار، لأن بيروت تستحق الحياة، ولا يليق بها سواها".
الموسيقى كصلاة جماعية
وجاءت كلمة مؤسسة مهرجان بيروت ترنّم ورئيسته ميشلين أبي سمرا، لتؤكّد هذا المعنى، حين شدّدت على أن الموسيقى كانت، على مدى ثمانية عشر عاماً، فعلاً من أفعال المقاومة وشفاءً للصدمات الجماعية، مستعيدة مقولة نيتشه: "من دون الموسيقى، لكانت الحياة غلطة".
وشكّلت الأمسية تحية صادقة لكل من ساهم في استمرارية هذا المهرجان، من المدير الفني الأب توفيق معتوق، الذي حافظ على المستوى الموسيقي الرفيع، إلى المتطوعين الذين يعملون بصمت.

وقالت أبي سمرا: "أردنا نسخة هذا العام بداية تعافٍ لنفوس متعبة، ومساحة هدوء في زمن مضطرب، وتحية لزياد الرحباني، الذي رحل بعدما أتمّ واجبه الموسيقي والإنساني كاملاً، تاركاً لنا إرثاً لا يُقدَّر بثمن، وذاكرة ستبقى حيّة في وجداننا الثقافي".
وتابعت: "نؤكّد عهدنا بأن نبقى مساهمين في صون أحد الحقوق الأساسية التي لا غنى لنا عنها: الموسيقى".
هكذا، أسدل مهرجان بيروت ترنّم الستارة على دورته، بأمسية لم تكن مجرّد حفل موسيقي، بل صلاة بالنغم، ورسالة حب، وإيمان متجدّد بمدينة لا تزال، رغم كل شيء، تعرف كيف توزّع الفرح بالموسيقى.
نبض