الإمارات في منحوتة إبراهيم النجّار: "واحد من بين الكثير" مستوحى من شجرة الغاف
في قلب دبي، وفي إحدى أبرز منصّات عرض الفنون العامة، تبرز منحوتة "واحد من بين الكثير" لتقدّم قراءة فنية عميقة للعلاقة بين الإنسان والطبيعة، مستلهمة رمزيتها من شجرة الغاف التي تُعدّ أحد أقوى الشواهد على تاريخ الإمارات وتطورها إلى دولة حديثة نابضة بالتنوّع والتقدّم. وعبر شكل تجريدي يجمع بين الصمود والذاكرة والهوية، يقدّم العمل رؤية معاصرة لمفهوم الوحدة الطبيعية، وتجربة تفاعلية يكتشف الزائر من خلالها معنى الانتماء داخل منظومة واسعة من الثقافات، تماماً كما هي الحال في الإمارات.
وجاء اختيار شجرة الغاف انسجاماً مع شعار "DIFC Sculpture Park" بنسخته الرابعة، "Enduring Forms"، بوصفها نموذجاً للأشكال القادرة على الصمود أمام التغيّرات والبقاء خارج الزمن. وتمثّل المنحوتة التي يصل ارتفاعها إلى خمسة أمتار، رؤية الفنان المصري إبراهيم النجّار، المؤسِّس الشريك ومدير التصميم في IN Studios، للتنوع الذي يميّز دبي، وكيف يتحوّل هذا التنوع إلى قوة جماعية.

وفي حديث خاص لـ"النهار"، كشف إبراهيم النجّار أن "الإلهام وراء المنحوتة انطلق من الغاف، هذا العنصر الطبيعي الخالد، الصامد، والمتجذّر في صحراء عريقة، والذي يمثّل الإمارات خير تمثيل، ويعكس تاريخها وتنوّع ثقافاتها وتقدّمها الحضاري".
وأوضح النجّار أن الرغبة منذ البداية كانت "ابتكار عمل فني يُبرز قيمة الإمارات وما حققته، والغاف بدت الشاهد الأصدق على هذا الإرث. فهذه الشجرة تتصف بخصائص تجعلها رمزاً قوياً للصمود؛ إذ تعيش في ظروف صحراوية قاسية، وتنمو في تربة شحيحة المياه. كما أنها محمّلة بدلالات ثقافية وحضارية، كونها شكّلت عبر التاريخ ملاذاً للرحالة والبشر والحيوانات للاحتماء بظلّها".
الغاف شاهدة على تطور الإمارات
وبحسب النجّار، تتجاوز رمزية الغاف كونها مجرد نبات، فهي "شاهدة على تحوّلات الأرض والناس والثقافة. ومع تغيّر الصحراء من مساحات رملية واسعة إلى مدن حديثة، بقيت الشجرة ثابتة في مكانها، محافظة على حضورها بوصفها جزءاً أصيلاً من البيئة الإماراتية".
ويقول الفنان المصري إن "رمزية الغاف تمتد جغرافياً، إذ إن رمال الصحراء الإماراتية مكوّنة من ترسبات جبليّة جاءت عبر آلاف السنين من خارج حدود الإمارات الحالية، من اليمن والسعودية والحجاز، وهي نفسها الرمال التي تنمو فيها شجرة الغاف".

هندسة "واحد من بين الكثير": الزائر يكمل شكلها بعينيه
وعن الشكل الهندسي لمنحوتة "واحد من بين الكثير"، يوضح النجّار أنها "قُسّمت إلى نصفين: نصف يستحضر هيئة الشجرة، ونصف مسطّح يتيح للمشاهد أن يكمل شكله بعينه، ليصبح جزءاً حيّاً من التجربة. حين يقف الزائر أمام المنحوتة، ينعكس في الجزء المسطّح وكأنه يشارك في تشكيل الشجرة، ليصبح عنصراً من عناصر العمل".
وأضاف النجّار أن "الشجرة صُمّمت من ألواح خشبية منفصلة تمثّل شذرات الزمن والمشاهد المتعاقبة التي شهدتها الغاف عبر التاريخ؛ من أحداث وثقافات وتحوّلات اجتماعية، وهذه الخصائص تجعل من الغاف شجرة تتجاوز حدود الزمان أيضاً".

رسالة العمل: وحدة الإنسان والطبيعة
وأشار النجّار إلى أن "الرسالة المركزية للعمل هي الوحدة الطبيعية بين الإنسان والطبيعة، والوحدة بين البشر برغم اختلافاتهم. فجاء اختيار الغاف رمزاً للاستدامة والصمود، مع الاعتماد على مواد معاد تدويرها في التنفيذ، مثل الألواح الخشبية، بل حتى بقايا الخشب صُنعت منها مقعد وُضع أمام المنحوتة للاستخدام العام".
وشرح الفنان المصري أن "العمل يجسّد العلاقة بين الإنسان والطبيعة من خلال الفضاءات المفتوحة بين الألواح الخشبية، التي تتيح للزائر رؤية العالم بعين الشجرة. أما الجانب المسطّح المزوّد بشرائح عاكسة، فيُظهر انعكاس صورة الزائر داخل جسد الشجرة نفسها، ليمنحه شعوراً بأن الطبيعة "تراه" وتدعوه إلى حوار جديد معها".

نبض