رحيل يمنى شري… زهرة أيلول التي لن تذبل
كان أوّل مطر في أيلول أشبه بحزن دفين، ينساب على الأرصفة كدمع خفيّ، فيما رائحة الأرض تعلن نعي زهرة تألّقت على الشاشة الصغيرة، زهرة اسمها يمنى شري. تلك التي أهدت المشاهدين ضحكة لا تشبه سواها، وإطلالة دافئة تفيض صدقاً ورقّة، فتسحب الضيف من ثقل الكلام إلى فسحة المصارحة، وترافق الجمهور برشاقة حضورها وعمق ثقافتها.
البداية من صوت الشعب
يمنى شري لم تدخل الإعلام خجولة الخطوات، بل جاءت منذ بداياتها متينة الحضور. في إذاعة صوت الشعب جلست خلف الميكروفون لتقدّم النشرة الإخبارية باللغة الفرنسية، تجربة كشفت عن طاقتها الفريدة وصوتها المطمئن، الذي كان يروي الأخبار بلغة العقل والقلب معاً. ومن هناك بدأت مسيرة صعودها.
بريق المستقبل
حين لمع نجم قناة المستقبل في زمنها الذهبي، كانت يمنى إحدى أيقوناته. عرفها الجمهور في برامجها المتنوعة، حيث جسّدت صورة الإعلامية التي تمزج بين الاحتراف والإنسانية. لم تكن مقدّمة فحسب، بل صديقة الشاشة وألفة البيوت، حضورها يدخل إلى القلوب بلا استئذان.
رفيقة الشاشة والزملاء
على شاشة قناة "الآن"، أطلت يمنى في برنامج "صباح النور" مع الإعلامي عمار الصفّار والإعلامية والممثلة ساشا دحدوح. شكّل الثلاثي لوحة متكاملة، وكان ليمنى فيها البريق الخاص: عفويتها التي تُشبه الطفولة، واحترافيتها التي تُشبه الدرس الدائم في الإعلام.
وفي السنوات الأخيرة، ظلّت يمنى حاضرة عبر شاشات عدّة، وأطلت من بعيد عبر قناة الجديد من كندا، لتقول لجمهورها إنها وإن ابتعدت جسداً، باقية روحاً وصوتاً وصورة.
ابتسامة لا تُنسى
برحيل يمنى، فقدت الشاشة الصغيرة ابتسامة صافية لا تُعوَّض. خسرت القنوات والفعاليات والمهرجانات وجهها المحبوب، وخسر الزملاء إنسانةً ودودة، صادقة، عرفت كيف تبني صداقات بلا حسابات، وكيف تنشر الفرح في كواليس العمل قبل الهواء. كانت يمنى حيثما حلت "دينامو" للحياة، محرّكة للمزاج، باعثة للطمأنينة.وكنا قد عملنا سوياً في هذا البرنامج الصباحي فترة طويلة وأذكر عبارتها الشهيرة في نهاية البرنامج وهي "اليوم حلو وبكرا أحلى"، ورحيل يمنى سلب من يوم غد حلاوة.
يمنى والزهور
بينها وبين الأزهار حكاية، أطلالاتها المزينة بالورود كل مرة وتلك المشكولة بشعرها. لا ينسى محبوها شارة برنامجها "القمر عالباب" حين اتخذت من زهرة " دوار الشمس" شعاراً وزينة . لذا كنتُ أرسل لها صور دوّار الشمس دائما! عبر "واتساب"، وكانت تبادلني المحبة بابتسامة مكتوبة أو ضحكة مسموعة. واليوم، مع كل زهرة أراها، ومع كل فصل ربيع يمرّ على لبنان، أجد نفسي أستحضر وجه يمنى وصوتها وضحكتها.
أثرٌ لا يزول
يمنى شري لم تكن مجرّد إعلامية عبرت الشاشات، بل كانت صوت جيل كامل عاش مع قناة المستقبل، ورافق تحوّلات لبنان في مراحله الصعبة والجميلة معاً. بحضورها العذب وصدقها النادر، صنعت مكانة يصعب أن يمحوها الزمن.
رحلت صديقتي يمنى، لكن بريقها سيظلّ عالقاً في الذاكرة، كما الأزهار التي لا تعرف الذبول. كانت زهرة أيلول التي فاجأها الرحيل، لكنها باقية، حيّة، في كل ضحكة قديمة مسجّلة، وفي كل صورة يختبئ خلفها وجهها المضيء.
نبض