جوزف حنّا في "بودكاست مع نايلة": كلمة السر... الإيمان بالله
في لقاء جديد من "بودكاست مع نايلة"، استضافت رئيسة مجموعة "النهار" الإعلامية نايلة تويني المخرج اللبناني جوزف حنّا، الذي رفع اسم لبنان في مهرجان Cannes Lions العالمي. قدّم جوزف نفسه بعبارة مقتضبة تختصر فلسفته: "C'est Joseph"، شعار شخصي يلخّص هويته وإيمانه بأن الفن الحقيقي لا يقوم على التصنّع، بل على الصدق والجمال الكامن في الحقيقة.
يرفض استخدام كلمات سلبية مثل "بشع" أو "غير جميل"، مفضّلاً التعبير بجملتين صارتا علامته الفارقة: "C'est Joseph" للموافقة، و "Ce n’est pas Joseph" للرفض. بالنسبة له، العمل الفني إمّا أن يشبهه أو لا، وكل مشروع ينجزه هو بمثابة "طفل" يولد من رحم الإبداع، ينمو ليحمل بصمته الخاصة ويكشف حقيقة الفكرة أو المنتج الذي يصوّره.
طفولة قاسية وإرادة صلبة
عند الحديث عن طفولته في بلدة آسيا البترونية، لم يستطع جوزف إخفاء تأثره. فقد واجه صعوبات كبيرة وتعرّض للتنمّر بسبب مظهره وتصرفاته، لكنه وجد في والدته السند والدعم. كانت تردّد على مسامعه عبارة: "أنت ابن الله"، فتحوّلت هذه الكلمات إلى إيمان عميق لازمه طوال مسيرته. اليوم، وهو يسترجع ذكرياته، يتمنى أن ترى والدته الحرية التي لم تعشها في حياتها، "أن تراها في عينيه"، كما قال بدموع صادقة.
من أبرز محطات مشواره فيلمه القصير عن دار المجوهرات اللبناني Yeprem. تأثر جوزف بقصة مؤسس العلامة الذي بدأ بائعاً للكعك والعلكة قبل أن يصبح اسماً لامعاً تتألق بتصاميمه نجمات عالميات مثل ريهانا وليدي غاغا وأوبرا. الفيلم الذي حمل عنوان "The Sparkle of Legacy" أُنجز بميزانية محدودة وفريق صغير، لكنه بفضل صدقه وعمق رسالته، بلغ منصة "كان" العالمية. بالنسبة له، لم يكن هذا الإنجاز متوقعاً، لكنه يعتبره ثمرة إيمان راسخ بأن الله يمنح كل إنسان فرصته في التوقيت المناسب.
يؤمن جوزف بأن كل إنسان خُلق مبدعاً بطبيعته، وأن الظروف مهما كانت قاسية قادرة على صقل الروح ودفعها نحو العطاء. لذا ينصح كل من يرغب بخوض عالم الإخراج بأن "يُري الواقع كما هو، بعيداً عن التصنّع واتباع الترندات". فالفن بالنسبة له ليس مجرد تقنيات، بل رسالة صادقة تلمس القلوب وتكشف الجمال حتى في التفاصيل القاسية. لكنه، في المقابل، يعبّر عن قلقه من المخاطر التي تفرضها وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يطغى المحتوى السلبي بحثاً عن المشاهدات. بالنسبة له، التنمّر ليس سوى انعكاس لألم المتنمّر أكثر من ضحيته، ولذلك عبّر عن أسفه تجاه كل من يختار أن يؤذي غيره بالكلمة أو الفعل.
لم يتردّد حنّا في الإشارة إلى أهمية العلاج النفسي في حياته، معتبراً أنه خطوة أساسية نحو فهم الذات وتحقيق السلام الداخلي. "زيارة الطبيب النفسي ليست عيباً"، يقول، بل هي فعل نضج وشجاعة. فهو يرى أن المبدع يتحمّل مسؤولية كبرى أمام الجمهور، ومن هنا يأتي حرصه على أن يكون عمله نقياً وصادقاً.
لم يدرس جوزف حنّا الإخراج أكاديمياً، بل بدأ مسيرته من عالم التصميم الداخلي، وانتقل إلى الموضة والتسويق البصري قبل أن يجد نفسه في الكتابة والإخراج. كل مشروع بالنسبة له هو بصمة جديدة وتجربة تحمل جزءاً من روحه. اليوم، يواصل العمل على مشاريع جديدة، بينها حملة صُوّرت في قلب طرابلس، ليؤكد أن الإبداع قادر على إعادة اكتشاف المدن وإظهار وجوهها المختلفة.
نحو المستقبل والذكاء الاصطناعي
أما عن المستقبل، فيرى حنّا أن العالم لا مفر له من الذكاء الاصطناعي، داعياً إلى دراسته والاستفادة منه كأداة تدعم الإبداع لا كبديل عنه. بالنسبة له، التكنولوجيا ضرورة، لكن العنصر الحاسم سيبقى دوماً لمسة الإنسان وصدقه في التعبير.
عندما سألته نايلة: "كيف عملت على نفسك؟"، أجاب جوزف بكلمة واحدة تختصر رحلته: الإيمان بالله. فهو يعتبر نفسه "ابن الله"، ولا يقبل أن يقلّل أحد من قيمته أو يحدّ من قدراته. هذا الإيمان كان البوصلة التي وجّهته من طفولة صعبة ومعاناة قاسية إلى إنجازات عالمية.
وبهذا الحضور الصادق والتجربة الملهمة، قدّم جوزف حنّا في "بودكاست مع نايلة" صورة عن مخرج لا يكتفي بصناعة مشاهد جميلة، بل يسعى إلى ترك أثر إنساني عميق. من الألم إلى الإبداع، ومن بلدته الصغيرة إلى منصة "كان"، حمل معه إيمانه وشغفه بالفن، ليقول للعالم بثقة: "C’est Joseph".
نبض