الأميرة ديانا والقاضي الرحيم... ما أحوجنا للإنسانية في عالم يموج بالصراعات
في ذكرى رحيل الأميرة ديانا، ولحظة الوداع الأخير للقاضي فرانك كابريو، يتجسّد أمامنا ما يفتقده العالم اليوم: الشخصيات الإنسانية الحقيقية، أولئك الذين يضعون قيمة الإنسان فوق كل اعتبار. في عالم تشيّد فيه الحروب، وتنتشر المجاعات لا سيّما ما يشهد عليه الشعب الفلسطيني في غزة، وتتعمّد بعض القوى إبادة مفهوم الإنسانية، يصبح حضور شخصيات مثل الأميرة ديانا والقاضي كابريو أكثر من ضروري.

الأميرة ديانا، التي أطلق عليها رئيس وزراء بريطانيا حينها، توني بلير، لقب "أميرة الشعب" بعد وفاتها في 31 آب/ أغسطس 1997، لم تكن تريد أن تكون ملكة بالمعنى التقليدي للعرش البريطاني، بل ملكة لقلوب الناس. في مقابلة تلفزيونية قبل وفاتها بعامين، صرّحت ديانا بأنها ترغب أن تكون "ملكة" ليس بالسلطة أو البروتوكول، بل بالقدرة على خدمة الناس وإحداث فرق حقيقي في حياتهم. ومنذ ذلك الحين، أثبتت الأميرة ديانا أن الإنسانية والتعاطف يمكن أن تكونا القوة الحقيقية للقيادة.


من خلال التزامها بالقضايا الإنسانية، من مكافحة العنف الأسري إلى دعم الصحة النفسية، استعملت الأميرة شهرتها كسلاح للتوعية والتغيير. تصدّرت عناوين الصحف، مسلطة الضوء على المعاناة البشرية في كل مكان، بما في ذلك خطر الألغام الأرضية في أنغولا قبل وفاتها. لقد كانت ديانا نموذجاً للصداقة والرحمة، شخصية يستطيع الجميع الاقتراب منها، ومعبرة عن جوهر الإنسانية.

على الجانب الآخر، ترك القاضي فرانك كابريو إرثاً لا يقل تأثيراً في الإنسانية. المعروف بلقب "أطيب قاض في العالم"، حصد تقدير ملايين المتابعين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ووصلت مشاهداته إلى أكثر من 10 مليارات مرة، نتيجة لطريقته الرحيمة في التعامل مع الناس على منصة العدالة. قضى 38 عاماً في محكمة بروفيدنس، حيث كانت أحكامه تتسم بالرحمة والإنسانية، مقدّماً مثالاً حيّاً على العدالة التي تحمي كرامة البشر وتراعي ظروفهم. حتى بعد وفاته في 20 آب/أغسطس الجاري، وُجدت مراسم وداعه مفتوحة لعامة الناس عبر الإنترنت، لتشمل كل من تأثر بطيبة قلبه.

ديانا والقاضي كابريو يجسّدان حاجتنا اليوم إلى "القيادة الإنسانية". الأولى كانت تريد أن تكون ملكة قلوب الناس، والثاني كان يقف على منبر العدالة ليؤكد أن القانون ليس مجرد أوراق، بل روح الرحمة والتفهم. في زمنٍ تتلاشى فيه القيم الإنسانية، نحتاج إلى من يذكّرنا بأن القلب الكبير والفعل النبيل لا يزالان ممكنين.
العالم يحتاج إلى أمثال الأميرة ديانا والقاضي كابريو، ليس كرموز فقط، بل كدعوة لكل إنسان أن يضع الرحمة والإنسانية في قلب كل قرار وفعل. ربما في رحيلهم، نجد الدرس الأكبر: الحب والعدل والرحمة لا يقدّران بثمن، وأنهما ما يجعلان الإنسان حقاً إنساناً.
نبض