مهرجان البستان الدولي 2025 و"فجر جديد"... لورا لحود لـ"النهار": اليوم شعرنا بالدفء والأمان
من بلدة بيت مري في المتن اللبناني، ومن داخل فندق البستان، ستسحرك مشهدية تُشبه لبنان الحلو. طقس لطيف ببرودته يُخاطب العالم على الطريقة اللبنانية ويذكّر كل من ابتعد عن هذا البلد قسراً بحتمية العودة كي يكون شاهداً على مراحل ولادة فجر جديد تغمرها الحياة والثقافة والموسيقى والحضارة.

تصوير: حسام شبارو
رسالة أمل وتجدد
المؤمنون بحتمية العودة أوّل من عادوا، فجاء الإعلان عن انطلاق مهرجان البستان الدولي للموسيقى بنسخته الحادية والثلاثين تحت عنوان "فجر جديد"، تعبيراً عن "الأمل"، حاملاً معه تحيّة للبنان العائد عبر برنامج مطعّم بأغنيات وطنية خالدة. لهذا السبب تضمّنت كلمة نائبة رئيسة المهرجان لورا لحود اقتباساً في محلّه من الشاعر محمود درويش: "واقفون هنا. قاعدون هنا. دائمون هنا. خالدون هنا. ولنا هدف واحدٌ واحدٌ واحدٌ: أن نكون".
في مؤتمر صحافي أقيم في فندق البستان أُعلن عن موعد افتتاح المهرجان في 26 شباط/ فبراير ويستمر إلى 23 آذار/مارس، إذ يحتفي بمرور 150 عاماً على ولادة أوبرا كارمن ضمن حفلاته الاثنتي عشرة التي تتنوع مضامينها بين الموسيقى الكلاسيكية والجاز والموسيقى الشرقية ويحييها موسيقيون عالميون ومحليون.

تصوير: حسام شبارو
وتشدد لورا لحود على أن هذه النسخة التي تترافق مع أمل جديد، لم يكن من المتوقع أن تقام مع تصاعد وتيرة الحرب الإسرائيلية على لبنان، لكن بعد توالي "الأخبار الجيدة"، اتخذت اللجنة المنظمة للمهرجان قراراً بإقامته، وتمكنت من إنجاز التحضيرات بفضل "علاقات مميزة من الثقة مع عدد كبير من الفنانين العالميين".
تقول لحود في حديث لـ"النهار": "اليوم شعرنا بالدفء والأمان، وبالرغم من أننا لا نستطيع أن نقول إنها فرحة بمعناها الكامل، إلا أننا استشعرنا بزوغ "فجر جديد". جميعنا نشارك الأمل الجديد، ويسعدنا أن نعلن عن النسخة الحادية والثلاثين من مهرجان البستان".

تصوير: حسام شبارو
"لبنان بغنية"
تُقام غالبية الحفلات في قاعة إميل البستاني في بيت مري، بالإضافة إلى حفلات في بيروت. أما البرنامج فمتنوع ويشمل الموسيقى الكلاسيكية والجاز وحتى الجاز العربي، لذلك البرنامج غني بمشاركات لبنانية وعربية وفلسطينية. ومن بين أبرز الفعاليات، أمسية عنوانها "لبنان بِغنّية" تعرض على مدى ليلتين بالتعاون مع الفنان جورج خباز الذي يتولّى الإخراج.
وتضم الحفلة هذه السنة أغنيات وطنية تعزفها أوركسترا بقيادة المايسترو لبنان بعلبكي وتحييها جوقة جامعة سيدة اللويزة بقيادة الأب خليل رحمة وتشارك فيها الفنانة اللبنانية سمية بعلبكي.

توضح لحود: "في هذه الأمسية سيقود الأوركسترا المايسترو لبنان بعلبكي، الذي تعرّض منزل العائلة للتفجير في الجنوب. هذه الحفلة ستكون مميزة للغاية، وستتضمن جميع الأغنيات التي أُلفت للبنان، مثل "بحبك يا لبنان" للسيدة فيروز، وأخرى للشحرورة صباح والقدير وديع الصافي. اخترنا أجمل الأغاني التي تمثل كل مناطق لبنان".
معرض تكريمي للفنان عبدالحميد بعلبكي
كما تلفت لحود إلى أنّ وبالتزامن مع انطلاق فعاليات المهرجان، سيكون هناك معرض تكريمي لوالد المايسترو بعلبكي الفنان عبد الحميد بعلبكي في متحف سرسق.
تحيّة للأغنية اللبنانية
بدوره، يتنفّس جورج خباز الصعداء، ويقول لـ"النهار": "أثبت مهرجان البستان أهميته على مدى 31 عاماً واستمر في مواجهة أصعب الظروف. هذا العام، وفور الإعلان عن وقف إطلاق النار، تواصلت معي لورا لحود، وأعربت عن رغبتها في تنظيم أمسية لبنانية خاصة ضمن البرنامج الكبير الذي يضم موسيقيين عالميين".
يضيف: "كان الهدف أن تكون هذه الليلة مكرّسة للأغنية اللبنانية التي تحكي عن الوطن، تحت عنوان "لبنان بغنية". على الفور، تواصلنا مع المايسترو لبنان بعلبكي، المعروف بإلمامه العميق بالموسيقى الغربية والشرقية وبالريبرتوار اللبناني. اخترنا أجمل وأشهر الأعمال الوطنية لتكون محور الأمسية، بمشاركة الفنانة سمية بعلبكي كضيفة شرف".
يتابع: "سأتولى إخراج هذا الحفل، وشاركت في اختيار الأغاني بروح تهدف إلى خلق تجربة فنية متكاملة ومميزة. مهرجان البستان يعني لي الكثير، فهو ليس مجرد فعالية ثقافية، بل نافذة أمل وتجدد. وهذا العام، نشعر بجرعة أمل كبيرة مع انتخاب رئيس الجمهورية وتعيين رئيس الحكومة. نتمنى أن تواكب هذه الحفلة أجواء التفاؤل، وتكون رسالة فرح وأمل للجميع".

تصوير: حسام شبارو
سمية بعلبكي ضيفة شرف
أما المايسترو لبنان بعلبكي فيعبّر عن سعادته ويقول لـ"النهار": "سعيد جداً لأن هذه الحفلة خصصت للأغنية اللبنانية، تلك الأغاني الراقية التي تغنت بلبنان الوطن الجميل. سنقدم باقة من روائع الأغاني التي أبدعها كبار الفنانين، على أمل أن تعيد هذه الأعمال إحياء صورة لبنان الجميل في أذهان الناس. ستحل شقيقتي الفنانة سمية بعلبكي ضيفة شرف هذه الحفلة عبر مجموعة من الأغنيات التي تعبّر عن روح لبنان وجماله".
يضيف: "نتمنى أن تنقل هذه الأمسية رسالة حب وأمل، وأن يتجاوب الحضور مع هذه الأغاني التي تحمل في طياتها عبق الهوية اللبنانية وروحها العريقة".

تصوير: حسام شبارو
مشاركة فنية دولية بارزة
ورغم وجود الأمل كمحرّك للحياة، بالنسبة للحود "لا يمكن أن ننسى الماضي وما خلفته الحرب، لا يزال هناك مواطنون لم يتمكّنوا من العودة إلى بيوتهم، وفلسطين لا تزال تعاني. لذلك، نتحدث عن أمل جديد بحذر".
تتابع: "شهدنا لحظة توقُّف لإطلاق النار، وتغيرات في سوريا، وانتخاب رئيس جديد ورئيس حكومة جديد في لبنان، وهي كلها أخبار جيدة تجعلنا نستعيد الأمل. لذلك قررنا تقديم المهرجان بروح جديدة. فالموسيقى دائماً تمنح الناس الراحة والسعادة، وتجمعهم مع أصدقائهم في ليالٍ مميزة. نأمل أن يستجيب الجمهور، وأن تكون القاعة ممتلئة كل ليلة".
بعد الأحداث التي مر بها لبنان، أصبحت كلمة "دولي" ذات أهمية كبيرة، لذلك تؤكد لورا أهمية مواصلة الجهود لجذب الفنانين الدوليين إلى لبنان، "لأن حضورهم يُظهر أن لبنان آمن ومستقر. خلال السنوات الماضية، بنينا علاقات وثيقة مع هؤلاء الفنانين، والعديد منهم وقع في حب لبنان، ما يساعدنا على استضافتهم مجدداً، لا سيّما أن مشاركة "الفنانين الدوليين لم تكن ممكنة في وقت أوقفت شركات الطيران الأجنبية رحلاتها وأصدرت السفارات تحذيرات لمواطنيها من السفر إلى لبنان".
أما المدير الفني للمهرجان جانلوكا مارتشانو، فقال لوكالة فرانس برس: "نحتفل بلحظة جديدة، وأعتقد أن أفضل طريقة لذلك هي الموسيقى. لذا فإن المثابرة على إقامة المهرجان سنويا في غاية الأهمية، وله هذه السنة معنى أقوى من السابق".

تصوير: حسام شبارو
ماذا عن بقية الفعاليات التي سيحتضنها برنامج المهرجان؟
يُفتتح المهرجان بحفلة لعازف البيانو الروسي بوريس بيريزوفسكي الذي يقدّم مقطوعات للموسيقي المجري فرانز ليزت ويختتمها بمقطوعة "اورورا" أو الفجر لبيتهوفن التي تنسجم مع عنوان نسخة المهرجان. وللجمهور موعد ثان مع بيريزوفسكي عازفا الجاز.
وأدرجت إدارة المهرجان في الأسبوع الثاني منه "تراجيديا كارمن" للموسيقي الفرنسي جورج بيزيه احتفاء بمرور 150 عاماً على كتابتها. وثمّة حفلة أخرى أوبرالية إسبانية الأجواء عنوانها "زارزويلا".
وفي الأسبوع الثالث، يستضيف المهرجان عازف القيثارة الروسي الكسندر بولداشيف الذي ينقل الجمهور من الموسيقى الكلاسيكية الى الروك بإحساس و"طاقة مزلزلة"، بحسب وصف مارتشانو.
ويحلّ ضيفاً على المهرجان عازف البيانو اللبناني عبد الرحمن الباشا مقدماً موزار وبيتهوفن وشوبان.
ولليزت حصة ثانية، إذ ستقدّم مراحل درب الصليب الأربع عشرة كما ألّفها الموسيقي المجري بنسخة البيانو، بمشاركة الباشا أيضاً.
ويطل عازف الاكورديون الفرنسي فيليسيان بروت الذي شارك في افتتاح الألعاب الأولمبية وإعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام ترافقه عازفة التشيللو أستريا سيرانوسيان.
وفي الأسبوع الرابع لقاء مع عازف التشيللو الفلسطيني نسيم الأطرش في أمسية تتصاعد فيها أنغام الجاز الشرقي.
ويختتم المهرجان مع فرقة "ليه كورد دو لا غارد ريببليكان" les cordes de la garde republicaine الفرنسية.
نبض