من بين الأساليب المتعددة في عالم "ستاند أب"، تبرز "الكوميديا السوداء" لدى حسين قاووق ومحمد دايخ، وهذه المرّة عبر "حدث أمني صعب". عمل خرج من رحم الحرم مباشرة، مستهدفاً قضايا حادة في شتى جوانب المجتمع. 

حضرت المادة المقدّمة بقوّتها ونفورها لتفتح النقاش حول المواقف والأزمات بلغة طائفية في ظاهرها لكنها هادفة في مضمونها، رغبة من صنّاع هذه النوعية من الأعمال كسر التابوات، وتحدي الموروثات الاجتماعية والمزج بين الفكاهة والألم وصولاً إلى حدّ الضحك على تناقضات الحياة التي تتقاسمها شرائح مجتمعية منقسمة.

من "بيروت هول" وقف الجمهور في طابور لحضور العرض المسائي لقاووق ودايخ، لم يأبه للطقس العاصف، فالضحكة اليوم بات تحقيقها أمراً ليس سهلاً، وهذا كان الهدف المنشود. بدأ العرض، وأطلّ الممثل حسين دايخ في فقرة افتتاحية، حاكى فيها يومياته بكونه الشقيق الأوسط في العائلة. انتهت الفقرة وأطلّ قاووق وسط تصفيق وهتاف منتظرين، الجميع يريد أن يعلم تفاصيل هذا "الحدث الأمني الصعب" بعد الحرب التي عصفت بلبنان، والأكثر من ذلك، كثر يرغبون في سماع وجهة نظر حسين قاووق ومحمد دايخ، شابان متمرّدان على كل ما هو زائف وهو ما حصل.

وبالنسبة لقاووق، "حدث أمني صعب" ببساطة ستاند أب كوميدي يعكس الواقع الذي عاشه اللبنانيون خلال الحروب، سواء كانت من العدوان الإسرائيلي أو من الأزمات التي نشأت داخل لبنان"، ويرى في حديث لـ"النهار": "أن الكوميديا تساعد في التعامل مع ذلك الواقع المرير، من خلال تسليط الضوء على آلام الناس وخلق مساحة للتفكير، بعيداً من الشعور باليأس". يصف قاووق كيفية سرد القصص التي حدثت خلال الحرب وكيف أن التفاعل مع الجمهور هو الأهم: "ما يهمّنا هو أن الجمهور يتقبل ذلك، يضحك، يشعر بالراحة. هذا هو الهدف الأسمى، إتاحة الفرصة للجميع ليضحكوا معاً، سواء كانوا يعيشون في بيئة مليئة بالصراعات الطائفية أو تحت ضغوط الحروب المستمرة".


وما يميز هذا النوع من الكوميديا، كما يوضح قاووق، هو قدرته على تجاوز الحدود الطائفية التي تسود لبنان، حيث يحاول أن يجذب جمهوراً من مختلف الطوائف. فصحيح أن كل حدث يتم النظر إليه من منظور طائفي في بلد مثل لبنان، إلا أن قاووق يطمح إلى أن يكون عمله الفكاهي مساحة جامعة بعيداً عن تلك الفواصل: "نحن نتحدث عن الشواذ الذي حصل، وكنا واضحين بقولنا إننا لا نقصد الجميع". هذه الشجاعة في مواجهة القضايا الشائكة تكمن في رغبة تقديم صورة أكثر شمولية وأكثر تسامحاً.

من جهة أخرى، يأخذنا محمد دايخ إلى مكان آخر من التفكير في التصريحات حول الحرب، إذ يعتبر في حديث لـ"النهار" أن الحرب نفسها هي من كتبت هذا النص الكوميدي، حيث كان كل يوم عبارة عن قصة جديدة: "كل غارة كانت تروي قصة"، وهنا يكمن الفرق بين من عايش الحرب ومن يحاول أن يروي تلك القصص بعد مرور الزمن. دايخ يعبر عن إحساسه العميق بالضاحية الجنوبية لبيروت، هذه المنطقة التي يحبها ويكرهها في الوقت نفسه، متذكراً كيف كانت تجسد في ذهنه صورة الأم التي لا يمكن أن يتخلى عنها رغم كل الصعوبات.


ويضيف دايخ بُعداً إنسانياً عميقاً في ما يتعلق بمفهوم الطائفية والتعددية: "الرسالة الأسمى هي فقط أن نوقف الطائفية قليلاً". وفقاً له، فإن "الفن والكوميديا يجب أن يكونا أداة للتغيير"، متمنياً أن يتمكن اللبنانيون من العيش في مجتمع متسامح بعيداً من التعصب الفكري. يطرح دايخ تساؤلاً فلسفياً عن سبب إصرار البعض على فرض وجهات نظرهم على الآخرين، مشيراً إلى أن الأديان نفسها تؤمن بالتعددية، وبالتالي لا ينبغي فرض آراء معيّنة على باقي الناس.

في النهاية، يطرح قاووق ودايخ رؤية جديدة عن دور الكوميديا في معالجة الألم والجروح العميقة التي خلّفتها الحروب والصراعات، ولو أنّ هناك من ينتقدهما ويعتبرهما طائفيين يحرّكان النعرات الطائفية، فيما الحقيقة لديهما متمثّلة بأنّ الكوميديا لم تعد مجرد وسيلة للترفيه، بل أصبحت أداة لتوصيل رسائل إنسانية واجتماعية هامة، تسعى إلى تغيير النظرة الطائفية وتعزيز التعددية في لبنان.

View this post on Instagram

A post shared by Annahar (@annaharnews)