عند الساعة السابعة مساء بتوقيت بيروت، توجّهنا أنا وزميلي المصوّر ميغيل من مبنى جريدة "النهار" إلى كنيسة مار مارون في منطقة الجمّيزة التي تحتاج 5 دقائق معدودة للوصول إليها  كي نشاهد عازف الكمان الاسباني فرانشيسكو فولانا ضمن أمسيات مهرجان "بيروت ترنّم". 

استغرقنا الوصول وقتاً أطول من ذلك، إنّها زحمة الأعياد في وسط بيروت التي تجعلك تتخلّى عن التذمّر منها، هناك الزّينة والإضاءة في الشوارع والأبنية تمارس عليك لعبة الإلهاء فيسرح نظرك في تفاصيل التفاصيل التي تعكس صورة واحدة عن بيروت: العاصمة التي يليق بها التزيّن والتبرّج لأجل ناسها.

وصلنا إلى الكنيسة، الجمع حاضر بانتظار فرانشيسكو. وأعتقد أنّ هذا الجمع كان يتوق مثلي إلى السفر لو موقّتاً عبر الموسيقى الكلاسيكية الخالدة كي يخوض رحلة التأمّل، لا بل أكثر من ذلك هي رغبة في تحرير العقل وإعادة ترتيب أوراق متبعثرة في حياتنا. 

البداية كانت مع الموسيقار الألماني الباروكي باخ، اختيار صائب من فرانشيسكو الذي قرر عبر عزفه موسيقاه الدعوة إلى التأملات التي تأخذنا من إحساس لآخر وتدعونا لزيارة أماكن لم نألفها، 5 دقائق فقط من انطلاق العزف كانت كفيلة إلى مخاطبة النفس الانسانية التي تخطّت حدود الثقافات لتصل إلى موطن فرانشيسكو إسبانيا فعرّج على المؤلف الموسيقي الاسباني خوان فالنت وصولاً إلى الاسباني إسحق ألبينيز، كلاهما حملا موسيقاهما ووظفاها لخدمة الانسان، منهج يمضي فيه فرانشيسكو.

أسأل فرانشيسكو عن انطباعه حول مشاركته الأولى في مهرجان "بيروت ترنّم" والتي تأتي بالتعاون مع سفارة إسبانيا في لبنان.
"إنها تجربة ممتعة للغاية المشاركة في "بيروت ترنّم"، لأنني أستطيع أن أكون هنا لجمع الجميع معاً ومشاركة الموسيقى. أعتقد أن الموسيقى وسيلة للتأمّل، ويمكنها أن توحّد الجميع حتى في أصعب الظروف. أشعر بالامتنان الكبير لتمكني من التواجد هنا."

ما الرسالة التي تتوقع إيصالها دائماً بعد تقديم موسيقاك، ورؤية هذه الطاقة المذهلة في الجمهور؟
أتعلمين، كنت أفكّر في ذلك قبل أيام قليلة، أثناء وجودي في بيروت. لقد قابلت العديد من اللبنانيين وتحدثت معهم، وأتمنى أن يحصل كل فرد على الفرصة التي تمكّنه من فعل ما يرغب. أشعر بأنني محظوظ لتمكني من تقديم الموسيقى ومشاركتها مع هذا الجمهور.

تقصّدت اختيار موسيقى محددة في هذا الحفل. لماذا؟
نعم، هذا صحيح. أعتقد أن إعداد هذا البرنامج كان مهمّاً للغاية، ليس فقط لتقديم نفسي أو عزف الموسيقى التي أحبّها، بل للبحث عن عمق أوسع والتواصل الروحي من خلالها. كنت أتحدث مع صديق من سفارة أجنبية أخرى موجودة هنا في لبنان، وكان يشجعني على القدوم إلى هنا، قائلاً لي: إذا كانت فلسفتك الروحية ترغب في ذلك، فعليك بهذه الزيارة. في الواقع، هذا ما حصل.

قدّمتَ ضمن برنامجك، مقطوعتين لم يُذكر اسمي مؤلّفيها، ماذا تتوقع عندما تشارك جمهورك مقطوعات جديدة؟
الموسيقى التي قدمتها اليوم هي موسيقى جديدة من بلدي الأم في إسبانيا والبلد الذي تبنّى موهبتي الولايات المتحدة الأميركية. أعتقد أنه بغض النظر عن الأصل أو المدينة أو الخلفية الثقافية، فإن الموسيقى تمتلك القدرة على لمس الروح والتواصل مع الآخرين على مستوى عالمي، متجاوزة أي اختلافات. عندما تحصل على فرصة لتقديم شيء كهذا، من المهم أن تفكر في الرسالة التي تسعى لإيصالها. يجب أن تخلق تجربة موسيقية تمكّن المستمعين من التفاعل والاندماج. 

ما رسالتك للموسيقيين الشباب الذين يملكون طموحاً؟
أشجعهم على استغلال كل فرصة لتطوير مواهبهم. والداي مصدر إلهامي الأول. هما مدرّسين وعائلتي كلها في مجال التعليم وأنا أوّل موسيقي في العائلة. لكنني أؤمن بأن توفير منصات للمواهب الشابة يمكن أن يحدث فرقًا كبيراً. الموسيقى قوة موحدة، وعندما نصنعها معاً، يمكننا تقديمها للعالم بطريقة مميزة.

سؤال أخير: ماذا تعني لك آلة الكمان؟
هذه الآلة هي أفضل صديق لي؛ تجعلني أعيش اللحظة بالكامل عندما أكون على المسرح. إنها وسيلة للتواصل العميق مع نفسي ومع الجمهور، وأنا ممتن جداً لهذه التجربة.

خيسوس سانتوس أغوادو: جمع الناس هدفنا
كان خيسوس سانتوس أغوادو، سفير إسبانيا في لبنان، حاضراً في الحفل، فقال لـ"النهار": "شرف لسفارة إسبانيا في لبنان بأن تستمر في دعم ’بيروت ترنّم‘، خصوصاً في هذه الفترة التي مررنا بها. كنت أزور لبنان طوال 20 سنة الماضية في فترة أعياد الميلاد، وبالتالي يعتبر هذا المهرجان جزءاً من هذه الفترة بالنسبة إلي. وأعتقد أنّ الموسيقى تجمع الناس وسفارة إسبانيا تعمل لأجل تحقيق هذا الهدف دائماً".

View this post on Instagram

A post shared by Annahar (@annaharnews)